الهجوم على الرموز

إن ما أقدم عليه المسمى أبو النعيم ليس غريبا عن ذلك الصرير الذي عودنا علبه التكفيريون الذين يؤمنون بأنهم نواب لله على الأرض، وبأنهم الناطقون باسمه الذين يقومون مقامه؛ هم من يملك مفاتيح الجنة والنار، وهم من يفتحون أبواب هذه أو تلك لمن شاؤوا ومتى شاؤوا، وهم من يحدد وجهة هذا أو ذاك.. وهم من يملكون الحقائق. فالوباء، كما قال أبو النعيم، “مشكوك فيه”، و”أوهام، وسراب، وخيال، ومسائل سياسية وانتخابات وتمرير صفقة القرن…”.. والوباء اختبار رباني لعباده ولن يزول عنهم بهجر المساجد، ولن يرفع عنهم بترك صلاة الجماعة، كما قال آخرون، في تحد سافر لقدسبة الأرواح التي بإمكانها أن تزهق بركوب الاختلاط.
لقد سبق لأبو النعيم أن شن هجوما شديدا على عدد من الشخصيات والمؤسسات والمثقفين المغاربة واصفا إياهم بأقسى النعوت. وخص الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي إدريس لشكر بالجزء الأكبر من هجومه بعد دعوته إلى المساواة في الإرث بين الذكور والإناث وإلغاء تعدد الزوجات.
وقال الشيخ المختل اللغة والمنطق عبر مقطع فيديو على اليوتيوب إن دعوة لشكر لمنع تعدد الزوجات والمساواة في الميراث “إجرام وكفر بواح وحرب على القرآن والسنة”. ووصف حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بأنه “حزب معروف بكفره، والحزب تاريخه تاريخ كفر، ودائما ما كان أعضاؤه يروجون للكفر في المجالس العامة والخاصة ويلحدون بالله، وينكرون وجوده، ويطعنون في نبيه، ويتهجمون على الشريعة”. ووصف مناضلاته ومناضليه بـ”البغايا والملحدين”.
وكان إدريس لشكر قد دعا إلى “المساواة في الإرث وإلغاء تعدد الزوجات من مدونة الأسرة المغربية أو قانون الأحوال الشخصية، مشددا على “فتح نقاش جدي حول مسألة الإرث”. كما طالب بـ “تجريم تعدد الزوجات ومنعه بشكل تام من مدونة الأسرة”، وتجريم زواج القاصرات، مهاجما ما أسماه بـ “المد الظلامي”.
وهاجم السلفي الوهابي، أيضا، المهدي بنبركة، وعددا من الشخصيات الثقافية الوازنة كعبد لله العروي ومحمد عابد الجابري وأحمد عصيد، ولم يستثن وزارة الأوقاف والرابطة المحمدية لعلماء المسلمين والمجلس العلمي الأعلى، وحتى الولايات المتحدة وفرنسا، مكفرا ومتهما إياهم جميعا بمحاربة الإسلام ونشر الإلحاد والكفر.
وقال إن أحمد عصيد “خنزير”، والجابري والعروي وبنبركة “كفار” و”مرتدون” و”حماة الفساد الأخلاقي”، وأن هؤلاء جميعا يتهجمون على القرآن “إكراما للبغايا وتشجيعا للسياحة الجنسية”.
واعتبر المؤسسات الدينية القائمة في البلاد جزء من “مخطط لمحاربة الإسلام وإبداله بالعلمانية. وأكد أن كلا من المجلس العلمي الأعلى والرابطة المحمدية ووزير الأوقاف “يحرصون على إسكات الأصوات والتنسيق لترويج الكفر “.
ولم يتوقف أبو النعيم عند هذا الحد، بل وصف، في شريط آخر بثه على “يوتوب”، القناة الثانية بـ”المؤسسة الصهيونية الخبيثة والمجرمة”، مضيفا أن الذين يسيرونها “يهود صهاينة لهم رسالة خبيثة في تخريب بلاد المسلمين”، وهي الخرجة الإعلامية التي لم تخطئ أيضا النقابة الوطنية للصحافة المغربية، التي نعتها بـ”النقابة الوثنية للصحافيين”، متهما إياها بـ”التحكم في الإعلام الرسمي”.
والمثير أن أبو النعيم، رغم وقوفه أمام القضاء، لم يتراجع، عن الاتهامات التي كالها للقناة الثانية، إذ قال في شريط آخر إنها “فعلا صهيونية بامتياز”، مستدلا على ذلك بـ”استضافتها يوم افتتاحها الرسمي الرئيس الإسرائيلي الأسبق، شمعون بيريز”؛ فيما أكد أنها “تنشر كل ألوان الفساد وأنواع السقوط، ناهيك عن الكذب والافتراء والتزوير والادعاء”.
وأضاف: “إن ما قمت به من وصف لهذه القناة بأنها قناة صهيونية بامتياز ليس من السب في شيء ولا يعد قذفا البتة؛ بل هي التي تسب الناس بأقذع ألوان السب وتصفهم ظلما بأنكر الأوصاف”، مضيفا أن “كل من خالفها في الرأي يوصف بالرجعية والظلامية والوهابية والأصولية والداعشية والدموية”، ليصف مجددا العاملين فيها بكونهم “مجرمين ومفسدين”.

 

حلقات الدخان

 

كان أبو النعيم يطلق حلقات الدخان في طل اتجاه، غير أنه كان يجد دائما ما يبعده عن النار التي يشعلها في جلبابه، إلى درجة أن البعض اعتبره ورقة يستعملها الإسلاميون لردع خصومهم وإجبارهم على إهمال القضايا الحارقة التي يطرحها الشارع الحقوقي والسياسي. وكان أن علل البعض “تمادي هذا “الشيخ” في التكفير والتحريض على الكراهية وتنفيذ الأعمال الإرهابية ضد الدولة ومؤسساتها” بوقوف بعض الشخصيات الحكومية وراء حمايته. وهكذا بعد أن كفّر رؤساء أحزاب ومفكرين ومثقفين وصحافيين ونشطاء حقوقيين دون أن يتم توقيفه أو مساءلته، ها هو ينتقل إلى مساحة أكبر وأخطر، وعلى نحو لا يطاق، الأمر الذي أخرج المؤسستين الأمنية والقضائية من التثاؤب، وفرض عليهما قطع هذا الحبل المعلق في رقبة وطن بحاله.
يصفه الطرقيون بـ”الوهابي المتطرف”، والمتمذهبون بـ”الظاهري الحرفي الحشوي”، والحركيون والحزبيون بـ”أنه لا يفقه الواقع وأنه بترودولار وأنه عميل”، والحداثيون والعلمانيون بـ”الظلامي والإرهابي والدموي”، كما المرجئة بـ “أنه تكفيري”، وفي واقع الحال إنها كلها مسميات لمسمى واحد يستقوي على الجميع استقواء امرأة عارية الفخذين، جسدها مع أثرياء نجد، وقلبها مع مخالفة أهل التنوير والعقل.

 

من هو أبو النعيم؟

 

ولد أبو النعيم بمدينة الدار البيضاء سنة 1956. ونال شهادة البكالوريا في الآداب العصرية عام 1975، ثم شهادة البكالوريا في التعليم الأصيل سنة 1983. وقد تخرج من جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء في أول فوج للدراسات الإسلامية عام 1985. كما نال شهادة دبلوم الدراسات العليا في “شعبة فقه السُّنة” بجامعة محمد الخامس بالرباط سنة 1995، بعنوان: “فقه السنة في الظاهر والتأويل”.
تأثر أبو النعيم بعدة سلفيين أمثال: تقي الدين الهلالي الذي كان يلقي دروسا في مسجد صغير بحي “اسباتة” بالدار البيضاء، إذ أخذ عليه علم التوحيد وفقه السنة. وكذلك الزبير التفراوتي الذي كان يلقي دروسه بالمسجد اليوسفي قبل أن ينتقل إلى المسجد المحمدي، وهما مسجدان كبيران بالدار البيضاء. ثم حسن النتيفي الذي كان يلقي دروسه في المسجد المحمدي، وكان يهتم بمسائل الفقه على مذهب أهل الحديث والأثر. إضافة إلى الكنوني المذكوري الذي كان من فقهاء القرويين، وحسن المراكشي الذي كان يقطن بـ “درب الكبير”، أي الحي الذي يقطنه أبو النعيم. كما تأثر بالعديد من الفقهاء كالشيخ الصمدي، والشيخ بوخبزة، والدكتور القاضي برهون، وأبي عبيدة مولاي أحمد المحرزي، ومحمد الجردي، والشيخ المغراوي، ومحمد زحل، وحسن وجاج…
غير أن نقطة التحول في توجهات أبو النعيم بدأت بدخوله إلى “العرين الوهابي”، وتعرفه على عبد العزيز بن باز وابن العثيمين والألباني، وهما من كبار منظري الوهابية التي عملت على تمويل العصابات الدينية، وليّ عنق الثورات العلمية والتقنية والسياسية، لتشكّل وعياً زائفاً ومنقلباً.
إن الوهابية، التي يعتنقها أبو النعيم وأمثاله، تريد تحويل العالم إلى “نص مرتبط بالجغرافيا التي وقع فيها” عوض”الإجماع” الذي من شأنه أن يفقدها ميزة التشريع. فالوهابيّة تحكم بالكفر على كل مَن ليس وهّابيا. والحل، أخيرا وليس آخرا، هو أن تواصل الدولة عدم التسامح مع الفتاوى الوهابية التي يتناقلها “فقهاء الظلام” ومُرَوّجُو الإعلام المُضلل؛ ذلك أن الضّرب المستمر على مؤخرة الرأس قد يفضي اليوم أو غداً إلى ما لا يُسِرُّ الناظرين والمنتظرين.