وأنا أتابع، بإمعان، نص الرسالة الملكية التي وجهها الملك محمد السادس إلى الملتقى الوطني للوظيفة العمومية العليا، والمنعقد بالصخيرات في اليوم الموالي لبداية الأسبوع الحالي، توقفت عند الإشارة الملكية الهامة والدالة، التي يبارك فيها جلالته الجهود المبذولة في قطاع الوظيفة العمومية وإصلاح الإدارة، وهي من الإشارات التي تدعونا اليوم لمواصلة الدرب، ونحن نحظى بهذه المباركة، التي تعتبر إنصافا وتحفيزا، لمشروع دافع عنه الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في مساره النضالي وفي محطات مختلفة من الدفاع عن إصلاح الوظيفة العمومية، الشيء الذي دوناه في البرنامج الحكومي الحالي الذي لخصنا فيه قناعاتنا، من أجل إدارة حديثة رهينة بإصلاح جذري وعميق، قوامه الذهاب إلى عمق الإشكالية النابعة من سيادة العقليات التقليدانية، التواقة إلى المحافظة على امتيازاتها، ضد كل تطوير وانفتاح على الكفاءات والتطورات، التي ينبغي اليوم تغييرها، بل وخلق قطيعة مع سلوكاتها، الجاعلة من الإدارة المغربية مرتعا للفساد والرشوة واستغلال النفوذ ، مما له انعكاساته على المواطن مباشرة، وعلى الوطن التواق إلى البحث عن نماذج بديلة، والكفيلة بأن تصب في المشروع التنموي الجديد، الذي تدافع عن معالمه أعلى سلطة في بلادنا، بكل جرأة ومسؤولية، بغية مواصلة الدرب نحو المغرب الذي دشنت إرهاصات بدائله الوثيقة الدستورية 2011 الملخصة لمختلف المعارك التي خضنا ملفاتها المطلبية في الإصلاح، بنضالات سجلتها الذاكرة، ووشمها التاريخ في مسلسل الانتقالات الصعبة من جهة والسلسة من جهة أخرى، قادتها القوى الحية في بلادنا وفي مقدمتها الحركة الاتحادية، بنكران كبير للذات وبانسجام مع المصالح العليا للوطن، من أجل مغرب المستقبل الذي مازلنا نناضل من أجل إرساء معالمه الكبرى، وعيا منا بكافة التحديات التي تواجهنا، الداخلية والخارجية.
وهو المشروع الذي يسجل فيه قطاع الوظيفة العمومية وإصلاح الإدارة مبادرات جريئة واستراتيجية لحلحلة الوضع القائم، وتحريك المياه الراكدة، تلك التي واجه فيها الوزير الوصي على القطاع محمد بنعبد القادر مختلف الأصوات النشاز، التي تنبهت إلى مد آت لا ريب فيه، سينفض الغبار عن مرتع الفساد في فضاءات الإدارة وداخلها، وهو الوضع الذي يكرس أساليب الانتفاع حد الجشع، مع تشابك المصالح، لتصبح الإدارة في واد، والمواطن المقهور في واد آخر، في مشهد مخالف ومضاد للمبدأ الدستوري الذي ينص على أن مهمة الإدارة العمومية هي خدمة المواطن بمبادئ المساواة والإنصاف، والتزام الموظفين في المرافق العمومية بالشفافية والمسؤولية والمحاسبة لضمان القرب من المواطنين والإصغاء لمطالبهم وتلبية حاجاتهم.
مشروع يجعل من الإدارة ذات بعد جديد للخدمة العمومية، يمكننا من كسب رهان التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، الذي لن يتأتى إلا بإصلاح شامل وعميق، ينطلق من أساليب العمل بالحقوق والواجبات، ومبدأ المسؤولية والمحاسبة، وترسيخ مفهوم التعاقد بناء على حكامة جديدة تعي منطلق اشتغالها ومعالم أهدافها .
ولهذا نعتبر الإشارة التي جاءت في الرسالة الملكية إلى لقاء الصخيرات، تحفيزا للمبادرات الهامة التي خلخلت منظومة جامدة شكلت للمواطن المغربي زمنا متوقفا، وعلبة من الصعب الدخول إلى دهاليزها، تلك التي ظلت لسنوات معزولة عن أي إصلاح يذكر.
وهو تحفيز يفتح فيه القطاع الوصي كافة الملفات العالقة لتصبح ملفات معروضة للنقاش والتداول في أوراش استراتيجية وهامة، كمدخل أساسي نحو التشريع وإصدار قوانين منظمة أو معدلة، للمرور إلى التطبيق والمتابعة الكفيلة بتشييد جسر قوي وصلب نحو نموذج تنموي جديد.
كما هي الإشارة التي قال عنها الوزير المكلف بإصلاح الإدارة والوظيفة العمومية إن « ضمن هذا المخطط تباشر الحكومة إصلاح الوظيفة العمومية العليا كمدخل للمراجعة الشاملة لمجموع منظومة الوظيفة العمومية على أساس الكفاءة والاستحقاق وفي انسجام تام مع المقتضيات الدستورية المتعلقة بالحكامة الجيدة، وتفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، ويكتسي هذا الورش الإصلاحي أهمية بالغة بحكم ارتباطه بالموظفين السامين الذين يؤدون أدوارا طلائعية في التخطيط للسياسات العمومية وتنفيذها وتقييمها، ويؤثرون بشكل كبير في إنجاح المرفق العام بالإشراف الناجع والمتابعة الدقيقة، وعلى هذا الأساس تولي المقاربة الإصلاحية أهمية خاصة للموارد البشرية في الوظائف العليا مستهدفة تنمية مؤهلاتها وتطوير أدائها وتحديث أساليب تدبيرها لتكون قادرة على قيادة العمل العمومي بالمهنية اللازمة والنجاعة المطلوبة».