هنيئا للمغرب بتأهل فريقه الوطني لكرة القدم إلى دورة كأس العالم بروسيا.
وتحية تقدير للاعبين الذين خاضوا مباريات الإقصائيات، وبالخصوص مباراة أول أمس، بقتالية واستماتة، حققت هدفا طال انتظاره عشرين سنة.
لقد تفجرت لحظات فرح عبر عنها الشعب المغربي في مدنه وقراه، مباشرة بعد انتهاء المقابلة، من خلال احتفالات عارمة كان العلم الوطني في مقدمتها. فالإنجاز الذي حققه الفريق الوطني كان تاريخيا، ليس لأنه لم ينهزم في أي مقابلة من مقابلات المجموعات، بل لأن شباكه ظلت نظيفة طيلة 540 دقيقة، وهي المدة الزمنية لمقابلات الذهاب والإياب الست، ويبدو أنها سابقة في تاريخ الإقصائيات سجلها المنتخب المغربي الذي دافع جميع لاعبيه عن القميص الوطني بروح عالية وقدموا أروع ما عندهم، صمودا وإبداعا وعطاء.
هنيئا بهذا الإنجاز المستحق، لكن شجرته يجب ألا تخفي غابة الوضع الرياضي على مستوى كرة القدم ببلادنا، فهذه الغابة تعج بسلبيات واختلالات عدة يجب تصحيحها وإيلاء كبير العناية لمعالجتها، نشير إلى بعضها :
إن البطولة الوطنية لم تنتج لنا فريقا وطنيا كما كان عليه الأمر في فترات سابقة، صحيح أن اللاعبين الذين حققوا إنجاز أول أمس خاضوا مباريات الإقصائيات والمجموعات بوطنية عالية، لكن جلهم أنتجته أندية أوروبية. إننا نريد بطولة وطنية أنديتها ومنافساتها تقدم لنا لاعبين بمستوى هؤلاء النجوم الذين قهروا فيلة الكوت ديفوار بأبيدجان .
إن أندية بطولتنا تعاني من اختلالات في التسيير وضعف في الإمكانيات المادية، وذلك ينعكس على مردودية اللاعبين الذين يعانون، في العديد من الفرق، الأمرين من أجل الحصول على أجورهم وتعويضاتهم، بسبب غياب الديمقراطية في الجموع العامة وتفاقم المديونية، وهذه الاختلالات تمس هيكل الجامعة الملكية لكرة القدم وتؤثر على طرق تدبيرها .
هناك غياب سياسة تتعلق بمشاتل الفرق لإنتاج لاعبين عبر مختلف الفئات، إذ أن هناك عدم استمرارية في بناء العنصر البشري والمتاجرة به أحيانا، وعدم فتح آفاق لإبداعاته وتكوينه وتأهيله، فبالرغم من وجود عشرات الأندية بمختلف الأقسام إلا أن مردوديتها في ذلك دون المستوى.
أما في ما يتعلق بالبنية التحتية، من مركبات وملاعب ومدارس، فإن أوضاعها تكشف الارتجال والعشوائية في صيانتها، فمثلا كيف يخضع مركبا محمد الخامس بالبيضاء ومولاي عبد الله بالرباط للإغلاق عدة مرات في وجه دورات البطولة، رغم الأموال الطائلة التي تصرف والاعتمادات التي ترصد؟؟؟
إن المغرب اليوم بحاجة لسياسة رياضية جديدة، مندمجة ومتعددة الأبعاد، من أبرز ملامحها:
بلورة استراتيجية وطنية تسعى للنهوض بكرة القدم والرياضة عموما، وإقرار مبادئ الحكامة في التدبير الرياضي، خاصة على مستوى عقلنة التسيير المالي من خلال اعتماد آليات مضبوطة تحدد التوزيع العادل للموارد المالية على مختلف الأنواع الرياضية حسب الأهداف المقررة.
المراجعة الشاملة لمكونات المنظومة الرياضية من خلال إنجاز تقييم موضوعي للواقع الرياضي، مؤسساتيا وتنظيميا وتقنيا، وذلك من أجل العمل على ملاءمة التأطير الرياضي والرفع من مستوى الكفاءات وتأهيل الموارد البشرية والمالية.
اتخاذ التدابير اللازمة لتخليق الحياة الرياضية وتأهيل التدبير الرياضي عبر بلورة ميثاق رياضي وطني لمحاربة الفساد وترسيخ مبادئ الديمقراطية والشفافية والمسؤولية.
وضع خطة وطنية شاملة للتنقيب عن المواهب الرياضية في مختلف الأصناف وبالنسبة لمختلف الفئات العمرية، وذلك عبر تقوية عمليات تتبع الكفاءات وتعبئة الموارد البشرية والمالية اللازمة …
إنه ورش يجب الاهتمام به حتى تكون رياضتنا في مستوى انتظاراتنا، وإلى أن يتحقق ذلك نكرر التهنئة للمنتخب الوطني على إنجازه، ونتمنى أن يكون متألقا في مباريات كأس العالم بروسيا.