أثار قرار إقصاء الفلسفة من شعب ومسالك الباكالوريا المهنية، وتعويضها بالتربية الإسلامية، احتجاجات وانتقادات واسعة، من طرف العديد من الأوساط، خاصة المهتمة بتخصصات العلوم الإنسانية والفلسفة، التي اعتبرته تراجعا خطيرا، عن ميثاق التربية والتكوين وغيرها من الوثائق، التي تم الاتفاق عليها، لإصلاح التعليم، بالمغرب.
ما هو غائب في هذا القرار، هو عرض المبررات والخلفيات التي كانت وراءه. وكيفما كانت دواعي ذلك، فإنها خطيرة، وتشكل استمرارا في نفس النهج الذي تم اتباعه في ثمانينيات القرن الماضي، عندما تم تهميش الفلسفة والعلوم الإنسانية، في التعليم الثانوي والعالي، لمحاربة اليسار والفكر التقدمي.
و كانت النتائج وخيمة، ليس على المستوى الثقافي/السياسي، فحسب، بل بالخصوص على المستوى التعليمي والمعرفي والتربوي، حيث غٓلٓبَت منهجية التلقين والحفظ، دون القدرة على الفهم العميق للإشكاليات واكتساب ملٓكٓة التحليل والتركيب، وطرح الأسئلة الكبرى، على العلم والمعرفة والمجتمع والوجود والإنسان… من المؤكد أن هناك نظرية وراء القرار، مضمونها هو: ما فائدة تدريس الفلسفة لتلاميذ التكوين المهني، بل وحتى للطلبة المتخصصين في المواد «العلمية»؟
إذا كانت منهجية الحفظ والتلقين وتجنب الأسئلة الكبرى، معمول بها في التربية الإسلامية وأسلاك الشريعة، نظرا ل»قدسية» ما يعرض فيها، و لا يمكن تغييرها، وإلا تعرض المطالبون بذلك لأشد أنواع وأشكال التهجم بل وحتى التكفير، فإن الأمر يختلف في كل التخصصات الأخرى.
في كل مناهج العلوم هناك فلسفة ثاوية، بل أكثر من ذلك، فتاريخ العلوم الإنسانية والعلوم الحقة والرياضيات، يثبت أن تطورها كان بفضل الفلسفة، وأن هذه الأخيرة، تطورت أيضا بفضل كل الاكتشافات العلمية، هذه مسلّمات يعرفها كل المهتمين والمتتبعين لهذا المجال.
لذلك، من الضروري تدريس الفلسفة والعلوم الإنسانية لتلاميذ التكوين المهني وطلبة العلوم الحقة، لأنهم يدرسون ويشتغلون في ميادين لا تقاس كل الأمور فيها، بالمسطرة والملمتر، بل كثيراً ما يحتاجون لمنهجية تفكير أكثر عمقا وجنوحا ومنطقا، مما تقدمه المادة الصامتة.
و في جميع الأحوال، فإن القرار الذي اتُّخذ رجعي ومتخلف ومجانب لمنطق العلم والتكوين، خاصة وأن استبداله بمواد التربية الإسلامية، يعني احتقارا لذكاء تلاميذ التكوين المهني، الذين لا يستحقون، حسب من اتخذ القرار، سوى استظهار مقرر، لا يجادٓلُ ولا يناقٓشُ، جزء غير يسير منه، مجرد خرافات.