رسالة الاتحاد

مهمة استعادة المواطنين من أحضان الشعبوية والاغتراب السياسي والعزوف والكيانات المسمومة تبقى هي السبيل الوحيد والأوحد لإضفاء المعنى السياسي على الممارسة السياسية ، فالشعبوية كما العدمية، كلتاهما تمثل عجزا عن إنتاج بديل سياسي واقعي بأرقام واضحة وأجندة زمنية محددة، وتعكس سياسة الهروب إلى الأمام في وجه تقديم أجوبة للطلب المجتمعي، فيأخذ الحل شكل اللجوء إلى خطابات غارقة في التوهيم من دون بدائل حقيقية للمجتمع والدولة.
المغاربة في حاجة إلى برامج واقعية واعدة وليس إلى «بوليميك» فارغ يحاول تغطية الشمس بالغربال . والمغاربة محتاجون إلى أجوبة مقنعة حول أمراض الصحة وأعطاب التعليم وشبح البطالة وهشاشة السكن ورداءة الأجور ولهيب الأسعار وغول الفساد، وليس إلى دغدغة عواطف المقهورين بخطاب قد يتلاعب بقلوبهم وعقولهم لكن لا يغير أحوالهم نحو الأفضل…   وبناء عليه،فإن الاتحاد الاشتراكي يجد نفسه في الخيارات الاستراتيجية والمبادرات الاجتماعية والإصلاحات الهيكلية التي يبشر بها جلالة الملك، ويحث عليها في كل مناسبة وحين، بل وينكب على الإشراف على الكثير منها وآخرها مبادرة دعم السكن لمن لا سكن له..
وذلك ما يعبر عنه الكاتب الأول للاتحاد ذ.إدريس لشكر بالقول: «إن مشروع حزب الاتحاد الاشتراكي يروم إقرار منظومة شاملة للحماية الاجتماعية وتفعيل نموذج تنموي واقتصادي جديد، وتكريس البعد الديموقراطي والحداثي …وإن ما جاء به جلالة الملك يعتبر ثورة اجتماعية كبرى وحقيقية غير مسبوقة، فلم يرد في برنامج الحزب ولا في برامج أي حزب من الأحزاب مثل هذا السقف الزمني بالرغم من تواجدها الدائم كمطالب». مضيفا: «بكل تجرد، أؤكد أنه إذا تمت العودة إلى جميع البرامج الانتخابية لكل الأحزاب السياسية بالمغرب، بما فيها الحزب الذي أتشرف بالانتماء إليه، لم يصل أي حزب في المغرب من خلال برنامجه الانتخابي إلى طرح الحماية الاجتماعية بشكلها التام، كما جاءت في الخطب الملكية والقرارات التوجيهية الملكية الأخيرة. وبالعودة إلى أدبيات الحزب وبرامجه الانتخابية دائما كان الأفق الزمني كي نكون في حماية اجتماعية كاملة يصطدم بقلة الموارد ومحدودية الميزانيات، ونظل نتحدث فقط عن أجرأة ثابتة تتطلب عدة حقب وعدة مراحل…»
إن فيروس كورونا، يؤكد الأستاذ إدريس لشكر، عجل بالتفكير في الحماية الاجتماعية، ولم يكن أحد يطرح ضرورة الحماية الاجتماعية لكل المواطنين والمواطنات؛ ففي الوقت الذي كانت بعض الهيئات السياسية تنادي بخوصصة القطاعات الاجتماعية في التعليم والصحة والتقليل من تدخل الدولة في هذه القطاعات، برزت الجائحة وفرضت الرجوع إلى الدولة والتدخل في المجال الاجتماعي؛ إن هذا هو ما يشكل جوهر مشروع حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية منذ 1959…
إن جلالة الملك عمل على إطلاق هذا المشروع الضخم المتعلق بالحماية الاجتماعية في الوقت الذي لم تستطع بعض الدول المتقدمة إنجازه، وهو ما دفع حزب الاتحاد الاشتراكي إلى الانخراط فيه بقوة لإنجاحه لأنه جوهر الفكر الاشتراكي الديموقراطي الذي ينادي به الحزب ويناضل من أجله، وما هذه المحاضرات التي يسهر الحزب على تنظيمها بالمؤسسات الجامعية والفضاءات العمومية سوى دليل واضح على الرغبة الأكيدة للحزب في إنجاح هذا المشروع الاجتماعي الكبير الذي أطلقه جلالة الملك…
يقول الأستاذ إدريس لشكر: إن المبادرة التي اتخذها جلالة الملك كانت مبادرة قوية، لأنه الشخص الوحيد بالمغرب الذي تجتمع فيه مجموعة من الصفات لاتخاذ هذه القرارات، فجلالته هو القائد الأعلى للقوات المسلحة الملكية، وهو أمير المؤمنين، ورئيس الدولة… هذه الصفات هي التي ساعدت المغرب على تجاوز الكارثة.  نحن شهود على الوضعية التي كانت عليها شعوب أخرى أكثر تقدما منا في التعامل مع هذه الجائحة…
ونحن شهود على القرارات التي اتخذت في اللحظة والحين، وبالتالي اجتمعت هذه الظروف والصفات لتجعل جلالة الملك يستعمل كل الصلاحيات الممنوحة له دستوريا ؛ سواء على مستوى إمارة المؤمنين أو رئاسة الدولة أو القيادة العامة للقوات المسلحة الملكية؛ لأنه من كان سيضمن عدم تحول المساجد إلى بؤر لو لم تكن إمارة المؤمنين؛ من كان سيضمن أن الضعف الذي عرفه قطاع الصحة سيتلقى الدعم والمساندة من طرف القوات المسلحة الملكية، فضلا عن المبادرات القوية التي اتخذها جلالة الملك بإنشائه الصندوق الخاص بتدبير جائحة كورونا لتغطية النفقات الطبية ودعم القدرة الشرائية للأسر ومساعدة القطاعات الاقتصادية المتضررة …في هذه الظرفية أبانت الإدارة العمومية بكل مكوناتها عن قدرتها في التأقلم والإبداع والتفاني ونكران الذات في أداء مهامها، على الرغم من الصورة النمطية السلبية التي ألصقت بها قسرا، حيث كشفت الجائحة عن أهمية القطاع العمومي وفعاليته، بل وحيوية الأدوار التي يقوم بها والتي يستحيل على القطاع الخاص القيام بها…
ويقول الأستاذ إدريس لشكر: إن الخطة التي انخرط فيها الجميع منذ اليوم الأول للجائحة، لم تكن لتنجح لولا التدخل المسؤول للدولة وثقة المواطن في المؤسسات الوطنية، رغم أن اقتصاد المغرب على غرار كل اقتصاديات العالم تأثر بالجائحة، من توقف وشلل مئات الآلاف من المقاولات بمختلف أصنافها، الفلاحية والصناعية والخدماتية، وركود اقتصادي سيفقد المغرب على الأقل سنتين أو ثلاث سنوات من النمو…
ولقد ظل الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ينهل من الفكر الاشتراكي الديموقراطي معتبرا إياه بديلا حقيقيا عن الليبرالية المتوحشة التي تتبنى القضاء على أي تدخل للدولة»…، وعلى هذا الأساس وانسجاما مع مبادئ الاشتراكية الديموقراطية، تتعلق المحددات الكبرى المؤطرة للنموذج الانتخابي الاتحادي البديل والناجع بالجاذبية الاستثمارية والعدالة الترابية والتضامن الاجتماعي….»
ويؤمن الاتحاد الاشتراكي بأن الاشتراكية الديموقراطية هي البديل الضروري لمعالجة الاختلالات الاجتماعية، وإحدى مداخل الحداثة واستدراك التأخر التاريخي، فالاشتراكية ترتبط بالفضاء العقلي للحداثة، ومن هنا، آمن الاتحاد الاشتراكي بضرورة تحيين الاشتراكية كمثال، بفك ارتباطها بنماذج معينة، وبالحفاظ على الشحنة الفكرية التي قامت عليها، أي التشبث بالأرضية الحداثية الثقافية للاشتراكية وخلفياتها الفلسفية الأنوارية ….ومن هنا يأتي تفسير الموقع الدولي للاتحاد كما قال كاتبه الأول: «إن الاتحاد الاشتراكي هو الحزب المغربي الوحيد الذي تمكنه مرجعيته الاشتراكية والاجتماعية من التواجد داخل الأممية الاشتراكية ثم التحالف الدولي الاجتماعي»..
كما يأتي معنى تأكيد قيادة الاتحاد على أن: «منظورنا لدور الدولة التي لا نريدها وفق مبادئنا الاشتراكية وموقفنا المعارض لفكرة تحطيم الدولة، أن تكون «جهازا حارسا» يسمح للصراع الاجتماعي واقتصاد السوق بالتحكم في مصير البلاد. فالدولة التي نريد غير محايدة تقوم بدور تحفيزي واجتماعي لصالح الفئات الاجتماعية الأكثر تضررا في المجتمع من خلال توفير شروط العيش الكريم والحماية الاجتماعية العادلة والمنصفة. إننا مع الدولة الداعمة للتخفيف من حدة آثار العولمة في إنتاج المزيد من الفقر والهشاشة في ظل غياب تنافسية الاقتصاد الوطني القادرة على تحقيق التوازن الاجتماعي.»
وإذا كان «العديد من شعارات الحزب،  خاصة في المجال الاجتماعي، تتحقق ويتبناها الجميع، في الوقت الذي كان الاتجاه الليبرالي هو السائد، واليوم، الجميع يشعر بالحاجة إلى الدولة الاجتماعية الراعية والقائدة لمشاريع التنمية «ونذكر في هذا السياق بدور الصحة العمومية والتعليم العمومي في زمن الجائحة، ولاحظنا ارتباك القطاع الخاص الذي أبان عن عجز وتهافت كبيرين… فإن دورنا في تثمين المبادرات الملكية ومتابعتها، يتطلب منا المراقبة من موقعنا الدستوري، والحرص على تجويد أداء الفاعلين الحكوميين وغير الحكوميين من داخل المؤسسات، لا سيما منها البرلمان وكلنا ثقة في اختيارات بلادنا بقيادة جلالة الملك….
«الاتحاد الاشتراكي»

تعليقات الزوار ( 0 )

مواضيع ذات صلة

الكاتب الأول الأستاذ إدريس لشكر يترأس المجلس الجهوي الموسع بجهة مراكش -أسفي

انتخاب الاخ سعيد بعزيز رئيسا للجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان

انعقاد المؤتمر الثامن لإقليم الرباط

خلال التجمع الجماهيري لدعم الاخ محمد ياسر الجوهر بفاس: إجماع المتدخلين على فشل الأداء الحكومي