من بين القضايا التي تثير النقاش، اليوم، في الحياة السياسية المغربية، البنية الاجتماعية للأحزاب، حيث تعزى الكثير من سلبيات أدائها إلى ما يطلق عليه «البدونة»، التي أصابت هذه البنية، في اعتقاد الكثير من المحللين، الذين يحاولون تفسير تخلفها بهذا المعطى السوسيوثقافي.
غير أن هذا التحليل، يظل قاصراً عن تقديم تفسير مقنع للمشاكل التي تتخبط فيها الكثير من الأحزاب، لأن فرضية غزو الأحزاب من طرف «البدو»، لا تسعف كثيرا في فهم ما يحصل في مآلها، والأمثلة التاريخية من المغرب وخارجه، تدفع للتحفظ على جعل هذه النظرية حقيقية ثابتة.
وكما يعرف الجميع، فإن الثورة الصينية قامت على أكتاف الفلاحين، الذين شكلوا العمود الفقري للحزب الشيوعي، الذي قاده ماوتسي تونغ، بل إن الثورة البلشفية في روسيا، التي كان في طليعتها مثقفون من أمثال لينين وتروتسكي، اعتمدت كثيراً على الفلاحين، ويعتبر أحد أشهر علماء الاجتماع الأمريكيين، بارنغتون مور، في كتابه حول «الأصول الاجتماعية للديمقراطية والديكتاتورية»، أن البادية قامت بدور كبير في عدد من الثورات، منها الثورة الفرنسية، التي لعب فيها les sans culottes، وظيفة أساسية، وهم ينتمون إلى الفئات الشعبية التي هاجرت من البوادي نحو المدن.
ونفس المقارنة يمكن اعتمادها في حالة المغرب، مثل ثورة عبد الكريم الخطابي، التي استندت على الفلاحين، وواجهت الزوايا والإقطاع، كما أن الفلاحين وسكّان البوادي ساهموا بشكل واضح في الحركة الاتحادية في ستينيات وسبعينيات القرن الماضى.
هناك من يربط بين ترييف المدن وبدونة الأحزاب، في قراءة مختزلة للواقع المغربي، غير أن الأمر لا يتعلق بحتمية سوسيولوجية، بل بعمل إرادوي، يتم بموجبه توظيف واقع التهميش في محيط المدن بل و في أحيائها الشعبية والقديمة، لتجنيد أنصار من هذه الفئات واستغلال حاجتها، وقد نشطت في ذلك الأحزاب الدينية، على الخصوص.
استعمال البوادي ضد الديمقراطية، ليس أمراً جديداً، فقد لجأ النظام المغربي إلى ذلك في بداية الاستقلال، حيث وظف أعيان القرى لمواجهة النخب الحضرية، واستمر في هذه السياسة عن طريق خلق طبقة من الأعيان في المدن.
وهنا مربط الفرس، حيث لا يتعلق الأمر بترييف الأحزاب، بقدر ما يتعلق بالنظام السياسي والانتخابي الذي كرس هيمنة الأعيان، ليس في البوادي فحسب بل حتى في المدن، وهو ما دفع الأحزاب إلى استنساخ نفس النموذج، الذي يعتمد على الولاءات الزبونية أولاً ، مغلفة بالولاءات القبلية والعشائرية والطائفية والدينية.