الاجتماع الذي عقدته لجنة التنسيق بين مجلسي النواب والمستشارين، له أهمية خاصة كآلية بين غرفتيْ البرلمان، وتعزيز أدوارهما التي أناط الدستور لهما باعتبارهما المؤسسة التشريعية اختصاصات ومبادرات .وتبرز هذه الأهمية من نتائج هذا الاجتماع، الذي انعقد في بداية الأسبوع الجاري. وهنا لابد من التنويه بما اتخذه من أرضية للنقاش، والمتمثلة في مضامين الخطابين الملكيين لعيد العرش، ولافتتاح السنة التشريعية الحالية، ومنها موضوع النموذج التنموي، والدفع بمسلسل الجهوية المتقدمة، وإدماج الشباب المغربي ،وبالتأكيد على جملة من الأهداف والمبادئ ومن بينها الاستعداد «لإحداث قطائع خلاقة، وإدخال ما ينبغي من مراجعات على أساليب العمل، وصيغ التعاطي مع القضايا المصيرية للشعب المغربي، وفق المنظور الملكي… ومراجعات عميقة وتغيير للمقاربات المعتمدة في مواجهة إشكالات التنمية الوطنية».
إن من بين مهام المؤسسة التشريعية، كما هو معلوم دستوريا هو مناقشة مشاريع ومقترحات القوانين، والتصويت عليها، ومراقبة عمل الحكومة، وتقييم السياسات العمومية ، وتشكيل لجان نيابية لتقصي الحقائق، يُناط بها جمع المعلومات المتعلقة بوقائع معينة، أو بتدبير المصالح أو المؤسسات والمقاولات العمومية، وإطلاع المجلس الذي شكلها على نتائج أعمالها… وهذه الاختصاصات تؤهل البرلمان بل تجعله في صلب إقرار التوجهات الاقتصادية والاجتماعية، وخاصة نسيجها التشريعي، وتقييم مساراتها وأثرها .لذلك فإن تأكيد لجنة التنسيق على أن البرلمان، سيبادر بروح المسؤولية في ابتكار واقتراح وبلورة نموذج تنموي وطني جديد، يأخذ بعين الاعتبار التحولات الاقتصادية والمجتمعية الكبرى التي تعرفها البلاد،.ونسجل هنا المعالم الأساسية للبرنامج المزمع وضعه والذي يتمثل في بلورة مقترحات قوانين، وتقديم تعديلات على المشاريع المعروضة على المؤسسة تأخذ بعين الاعتبار التحولات الاقتصادية والمجتمعية المستجدة، وتصب في اتجاه تطوير ودعم النموذج التنموي، إلى جانب تعزيز الدور الرقابي والتقييمي للمجلسين، بما يضمن التتبع الفعلي للعمل الحكومي في مجال إنجاز الأوراش التنموية المعتمدة.
إن على عاتق البرلمان بالإضافة إلى أدواره التشريعية والرقابية الاشتغالُ كآلية دبلوماسية، للدفاع عن القضايا الوطنية، والقضايا العادلة للشعوب وللإنسان بخاصة، حقوقا وحريات وتنمية وبيئة وسلما وأمانا .ودون شك، فإن التأكيد من طرف لجنة التنسيق، على الارتقاء بالدبلوماسية البرلمانية، ومضاعفة الجهود، ومواصلة العمل من أجل تحقيق دبلوماسية برلمانية مبادرة، يقظة، استباقية، فعالة، متكاملة ومتناسقة مع العمل الدبلوماسي لجميع الفاعلين، ومتعددة الأبعاد… من منظور استراتيجي متجدد ومتكامل.
إن هناك ملفات وقضايا عديدة على أجندة المؤسسات الدستورية ببلادنا، تقتضي -اليوم وأكثر من أي وقت مضى- تعبئة وطنية، لمواجهة التحديات، وإقرار الإصلاحات، وإيجاد حلول للمشاكل، التي تجابه المغرب في الواجهات الاقتصادية والاجتماعية. ونعتقد أن ما تم التأكيد عليه من طرف مجلسيْ النواب والمستشارين، يندرج –بحق- في صلب هذه التعبئة.