ثمة خطاب يتردد من طرف بعض وسائل الإعلام وبعض زعماء الدجل السياسي/الديني، يضرب الوحدة الوطنية في عمقها، عندما يُمٓجّدُ النعرات الجهوية والقبلية والطائفية، أو يقسم البلاد قسمين، بين مؤمنين وملحدين، وكأنه يحاول نقل كوارث الخليج والمشرق إلى المغرب.
والغريب في الأمر، أن يتقاسم هذا الخطاب، تياران يبدو ظاهرياً أنهما متناقضان، لكنهما في حقيقة الأمر ينتميان لنفس العائلة:
الأول، يساري يشيد بالانتماء القبلي «الريفي»، في تعارض تام مع مرجعيات اليسار، التي تعتبر أَن الناس منقسمون إلى طبقات، وأن ما ينبغي أن يكيف وعيهم هو وضعهم المادي، وليس انتماءهم «الإثني».
أما الثاني، فليس سوى ذلك المسخ الذي أنتجته الإيديولوجيات الخليجية الظلامية، والذي يتعامل مع المواطنين المغاربة، بمرجعية هوياتية، لا علاقة ب»التعريف الوطني»، بل بتعريف آخر، مستمد من مدارس الفاشية الدينية، التي أدت إلى ماعرفته العديد من البلدان العربية من مظاهر التفتيت والتقسيم والمحاصصة والاقتتال الطائفي…
لا يسعنا المجال هنا لاستعراض المعاناة والمجهودات التي بذلتها الحركة الوطنية، في انسجام مع الملك المرحوم، محمد الخامس، لاستعادة التاريخ الحقيقي للمغرب، وتعزيز الانتماء له، كأسبقية فوق أي انتماء آخر، مما ساعد على تكريس مفهوم «الأمة المغربية»، بمنطق الدولة/الأمة، الذي يتجاوز بالتقسيمات القبلية والإثنية والجهوية والطائفية.
وهو ذلك الشعور بالانتماء الوطني، الذي تواصل في كل مراحل بناء المغرب الحديث، بنجاحاته وإخفاقاته، لكنه ظل راسخاً، ويمكن القول، إن العودة للحديث عن النعرات الجهوية، يناقض بشكل واضح هذا التوجه الوطني، كما يتعارض كلية مع المرجعية الديمقراطية، التي تتعالى على تقسيم المواطنين على أساس العرق و الجنس و الدين… لأن التجارب المتقدمة لدى المجموعات البشرية تجاوزت هذه التقسيمات الأولية.
غير أنه بالإضافة إلى كل هذا، فإن التجارب تثبت كذلك أنه كلما طفت على السطح التقسيمات العرقية والقبلية والدينية والطائفية، كلما أدت إلى تفتيت الأوطان وإشعال نيران الفتنة بكل تلاوينها. و لا يخفى على المتتبعين، أن محاولة إذكاء مثل هذه النعرات، أو إحداث شرخ، على أسس إيديولوجية، بين الشعب، لا يخدم سوى القوى المتربصة بوحدة الأوطان واستقرارها، وهو الأمر الذي يرفضه المغاربة، المعتزون برموزهم وتعريفهم.