مما لا شك فيه، أن المغرب، عندما قرر العودة إلى مكانه الطبيعي في الاتحاد الإفريقي، ضد سياسة الكرسي الفارغ، كان يعي جيدا أن هذا الاتحاد الذي يدخله بنفس جديد، وبقناعات ورؤية مغايرة لمفهوم الاتحادات، الذي كان في زمن مضى، مازال يحمل في سفينته أعطابا تشكل له بالفعل تأخرا، وانجرارا، إلى مواضيع وقضايا غير منسجمة مع مفاهيم التنسيق الستراتيجي بين التجمعات الإقليمية والجهوية والدولية ، التي تواجه اليوم تحديات كبرى، تتجلى في الهجرة والإرهاب والمناخ والأمن الغدائي، والسياسات التضامنية بين الضفاف العالمية من أجل عالم يسوده السلام.
أعطاب، يشكل استمرار “العنتريات” جوهرها ، في الانتصار لقضايا يبدو اليوم، أنها تنتمي إلى الحرب الباردة، التي كان من المفهوم جدا ، أن توظف فيها بعض المجموعات الشاردة، لعرقلة السير العادي لدول تتوق إلى التنمية والتطور والنهوض ، وهي المجموعات التي وجدت نفسها محاصرة بنمط عيش، اعتقدت فيه أنها تملك السلطة بكرسي لدولة وهمية في منظمة الاتحاد الأفريقي ، ضد كل الشروط القانونية والمسطرية، بل وحتى الوجودية،وهو النمط الذي ربح فيه الكبار من حرفيي تجار البشر حسابات بنكية ضخمة، تضخ فيها أموال المساعدات الإنسانية ، ونال فيه الصغار الأمراض والأعطاب النفسية والجسدية، والقهر الممارس بالفعل والقوة، فوق أرض، لاهم فيها بلاجئين ،ولا أصحاب حق في أبسط إحرازاته، المتعلقة بالتنقل الحر في دول الجوار،هم محاصرون ، مهانون، مستعملون، بكافة المقاييس، حتى طال الاستعمال أجساد نسائهم، واغتصبت براءة أطفالهم، في صمت رهيب لا تخترقه إلا رمال تيندوف الجافة .
ويترك المدعو ابراهيم الغالي كل هذا وراءه، ليحقق ما اعتبره انتصارا ، في كونه يملك حق الحضور إلى قمة افريقية أوروبية ، ببلد أعلن فيه القائمون على تدبير شأن ترابه ،منذ البدء، رفضهم لمشاركة دولة الوهم في هذه القمة ، بل أعلنوا عن اعتبار قائد الوهم ووفده من غير المرغوب في حضورهم، لكن ابراهيم الغالي يعتقد بأنه العريس الذي تزفه الجزائر والدائرون في فلكها إلى قمة أعلن فيها كذلك الجانب الأوروبي وأغلبية الجانب الإفريقي عدم قانونية هذا الحضور .
ولا يعي رئيس جمهورية الوهم أن حضوره إلى العاصمة الإفوارية ، المحاط باستقبال باهت ويتيم، هو إشارة إلى كون الرجل يمتطي جوادا مشلولا يحركه المعنيون عند لزوم الأمر ، في انتظار الصفقة الكبرى، التي لا يعنيها إمتصاص الدماء البريئة.
و لا يعي من يدور في فلكهم، أن أعلى سلطة في بلادنا ،والتي تجسد مواقف الشعب المغربي في تحريك المياه الراكدة، من منظور شمولي لقضايا القارة الافريقية قد وضعت، في رسالة تاريخية وجهها الملك محمد السادس إلى القمة الـ27 للاتحاد الإفريقي، أن “المنظمة القارية أمام مسؤولياتها القانونية والأخلاقية والمعنوية لتصحيح خطأ تاريخي، وتجاوز قيود أقلية سائرة في التراجع، والتي تأخذ القارة برمتها رهينة، في إشارة إلى استمرار قبول عضوية البوليساريو”.
وجوابا عمن اعتقد أن جلوس المغرب مع البوليساريو هو “اعتراف قانوني ستترتب عنه مشاركة التنظيم الانفصالي في كل القمم المقبلة، سواء التي تجمع إفريقيا مع أوروبا أو الصين أو اليابان أو الهند أو الولايات المتحدة الأمريكية”، نقول،إن الجندي الحقيقي يختار اقتحام ساحة المعركة، عوض الاختباء وراء السور، وإن سياسة الكرسي الفارغ التي اخترناها في زمن له إكراهاته، جعلت الوهم ينتعش في صفوف فضائنا الإفريقي، ذلك الذي نحمل له اليوم سياسة مغايرة، تعمل ضمن شتات الواحد المتوجه للمستقبل بالقيم، التي ينبغي أن تجمعنا ، وبالآليات التي ينبغي أن تنظمنا، وبالقناعات التي ينبغي أن تشكل نقط الضوء الكبرى فيها مشتركنا، وفي مقدمتها احترام سيادة الدول على ترابها.
فعلا، وشيء طبيعي أن يثير إعلان مشاركة الملك محمد السادس شخصياً في أشغال القمة الخامسة “الاتحاد الإفريقي – الاتحاد الأوروبي”، التي تحتضنها العاصمة الإفوارية أبيدجان ، جدلاً واسعا باعتبارها خطوة غير مسبوقة ، لكن هذا الجدل ذهب في الخيال بعيدا، حد اعتبار هذا الحضور هو في حد ذاته اعتراف بدولة الوهم، والحال، أن هذا لا يعني إلا شيئا واحدا، مفاده أن المغرب يدعو شركاءه إلى تحرير مقعد في الاتحاد الفريقي، من فراغ، يشكل ثقبا حقيقيا للسير العادي لأشغال اتحاد مع كافة الاتحادات الأخرى سواء في أوروبا أو الصين أو اليابان أو أي اتحاد دولي آخر. يسعى الاتحاد الافريقي إلى خلق شراكات معه لمواجهة التحديات والمرور إلى تطبيق برامج تعود بالنفع على القارة السمراء وشركائها.