تمكنت الدولة الجزائرية من تجميد مسلسل الاندماج المغاربي، حيث أصبح مشروع اتحاد هذه المنطقة، منسياً، بل أكثر من ذلك ، نجحت هذه الدولة في ممارسة الضغط، بعدة وسائل، على بلدان مغاربية، مثل تونس وموريتانيا، لاتخاذ موقف مساند لها أو على الأقل التزام الحياد السلبي، في موضوع من المفترض أن يحظى بالأولوية، لدى حكومات وشعوب هذه المنطقة من العالم.
لقد انتقلت الطُّغمة العسكرية في الجزائر، من المناورة لعرقلة الاتحاد، إلى الهجوم، حيث رَوّجت فكرة ربط بناء هذا المشروع، لحل قضية الصحراء المغربية، في اتجاه موقفها الداعي للانفصال، بل أضافت إلى ذلك، تبرير إغلاق الحدود البرية مع المغرب، بنفس المبررات.
غير أنه إذا كانت لهذه الطغمة الحاكمة في الجزائر مصالح لاتخاذ هذا الموقف، فما هي المصالح التي تدفع أوساطا، أحيانا رسمية، في موريتانيا، خاصة، لاتخاذ موقف الحياد السلبي، وهو الموقف الذي أخذ يتسرب تدريجيا إلى بعض الأوساط في تونس، أما الوضع في ليبيا، فإنه يظل غامضاً، نظراً لما يعيشه هذا البلد من انعدام الاستقرار ونزاعات حول السلطة والشرعية.
ويبدو من هذه الصورة، أن المغرب مدعوٌ إلى بذل مجهودات مضاعفة لطرح موضوع البناء المغاربي، سواء أحبت ذلك الطغمة العسكرية أم لم تحب، لأنه لا يعقل أن تجمد دولة، لأسباب ودواعٍ واهية، وتفتعل نزاعا، هو الآن بين يدي الأمم المتحدة، مشروعا بهذه الأهمية، على مختلف المستويات الاقتصادية والاجتماعية، ناهيك عن أبعاده السياسية والثقافية.
يمكن للمغرب أن يطرح تصورات جديدة للبناء المغاربي، لتجاوز العراقيل التي تختلقها الدولة الجزائرية، خاصة أن التجاوب الإيجابي الذي يحظى به مقترح الحكم الذاتي في الأقاليم الصحراوية، والوضع الجديد للمغرب في إفريقيا، يساعد على الدفع في هذا الاتجاه. فالتوجه المغربي نحو الغرب الإفريقي، لا يعني تناسي المنطقة المغاربية، التي ينبغي أن تخرج بلدانها، الثلاثة الأخرى، من الحياد السلبي، الذي لم ولن يخدم سوى التفرقة وضياع فرص التكامل والنمو.