في المغرب، ثمة إشكالات متعددة في مجال العقار، تحمل معها إرثا إداريا تشريعيا وإداريا واجتماعيا مثقلا بالسلبيات، خاصة منذ أن وضع الاستعمار الفرنسي قوانين، تسهل استحواذه على الأراضي، وتضع اليد على مجالاتها العمرانية والفلاحية.
من بين هذه الإشكالات، التي تتطلب معالجتها بشكل نهائي ومنصف وعادل، الأراضي السلالية .وهذا الموضوع كان أول مثار نقاش داخل مجلس النواب في إطار الجلسة الشهرية التي تمثل فيها الحكومة أمام البرلمان.
للأراضي السلالية وجه اجتماعي وإنساني بارز، يتمثل في أحقية النساء في هذا العقار إسوة بالرجال كذوات حقوق بشكل كامل . ومن أجل هذا الحق هناك معارك نضالية، تخوضها النساء بدعم من الجمعيات الحقوقية، التي تشتغل أساسا في الحقل النسائي.
ثمة اليوم، ترسانة قانونية يتعين إعادة النظر فيها، عن طريق نسخها أو مراجعتها .فهذا الإطار المنظم للأراضي السلالية، يشمل ظهير 27 أبريل 1919 بشأن تنظيم الوصاية الإدارية على الجماعات السلالية، وضبط تدبير شؤون الأملاك الجماعية وتفويتها؛ وظهير 18 فبراير 1924 المتعلق بتحديد الأراضي الجماعية، وظهير 25 يوليوز 1969 المتعلق بالأراضي الجماعية الواقعة في دوائر الري. وكلها ظهائر تجر معها كذلك قرارات، ومذكرات إدارية، العديد منها كرس حرمان المرأة من حقوقها . وعليه، فالمطلوب اليوم، أن توضع مشاريع القوانين لمعالجة الاختلالات التاريخية، بتشارك مع المعنيين بالأمر، ذاتيين ومعنويين. وهنا لابد من الإشادة بالرصيد الفكري، وبالمقترحات، والمقاربات، والتصورات، التي أنتجتها الجمعيات الحقوقية، والتي يجب أخذها بعين الاعتبار . بالإضافة إلى الاجتهادات القضائية النيرة والايجابية، التي وقفت إلى جانب المرأة السلالية من أجل انتزاع حق مشروع.
وفي نفس السياق، لابد من التذكير بما دعا إليه جلالة الملك في رسالته السامية للمنتدى العالمي الثاني لحقوق الإنسان، الذي عقد بمراكش:» ندعو للانكباب على إصلاح نظام الأراضي الجماعية، التي نثمن فتح حوار وطني بشأنها، واستثمار، وترصيد نتائج هذا الحوار ومخرجاته الأساسية، لتأهيل أراضي الجماعات السلالية، لتساهم بنصيبها في النهوض بالتنمية، وجعلها آلية لإدماج ذوي الحقوق في هذه الدينامية الوطنية، وذلك في إطار مبادئ الحق والإنصاف والعدالة الاجتماعية، بعيدا عن كل الاعتبارات المتجاوزة».
إن هناك أكثر من عشرة مليون شخص، لهم علاقة بالاراضي السلالية، تبلغ مساحتها المنتشرة بمختلف مناطق المملكة حوالي 15 مليون هكتار. ودون شك، فإن أي معالجة لهذا الملف، سيكون لها تأثيرعلى العملية التنموية بالمغرب وتداعيات عدة .وبالمحصلة، فإن إخراج نصوص قانونية إلى حيز الوجود، تستند إلى حقوق الإنسان والمرأة بوجه خاص، من شأنه أن يؤهل الوعاء العقاري، بما ينسجم والانتظارات، والرهانات الهادفة إلى بناء مغرب، يثمن جهود سائر أبنائه، ويوظف كافة إمكانياته ويستثمر كل ثرواته.
وهذا التحدي، من مسؤولية الجميع، حكومة وبرلمانا وجمعياتٍ وكل الفاعلين، فعليهم جميعا، ومن خلال حوار وطني جدي وذي مصداقية، أن يكونوا على موعد مع التاريخ، في حل أحد أبرز المشاكل التي عمرت لعدة عقود.