خلال افتتاح البرلمان لسنة 2018 دعا الملك محمد السادس الأحزاب السياسية إلى الاعتناء بالكفاءات ، وذلك من خلال رفع الدعم العمومي المخصص للأحزاب ، وتخصيص جزء منه لفائدة الكفاءات التي توظفها في مجالات التفكير والتحليل والابتكار.
لقد كان الهدف هو دفع الهيئات السياسية إلى المساهمة في خلق نخب شابة باستطاعتها فهم وتحليل الواقع الحالي لسكان قاعدة الهرم الديموغرافي المغربي المتكون من الشباب ، وبالتالي المساهمة في ابتكار حلول لمشاكله وقضاياه ودعمه اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا.
التربية على الحس النقدي وتشجيع المهارات ودفع الشباب إلى الابتكار واستغلال الفرص المتاحة لهم كانت إشارات حفلت بها التوجيهات الملكية، ولعل الكثير من الشباب استلهمها وأبرز دليل على ذلك هو المساهمة في مواجهة أزمة كورونا، عندما انخرط الآلاف من الشباب في الحملات التحسيسية وبفعالية أكبر في ابتكار حلول للحد من تداعيات الجائحة باستعمال الوسائل التكنولوجية او الانخراط مبكرا في صناعة المواد الواقية من كمامات وأقنعة أو تطوير بعض الأجهزة.
إن الجواب الأساسي عن إشكالية الشباب هو وضعه في قلب التنمية ، وهذا لا يعني فقط إنجاز برامج لفائدته تهتم بمختلف أوضاعه وقضاياه، وتحويله إلى مجرد مستهلك لهذه البرامج التي لا تصل إلى مختلف الفئات ، بل المبدأ الأساسي الذي يجب أن تقوم عليه السياسة الموجهة للشباب هي تلك التي تجعله منتجا في السياسة والاقتصاد وتحفزه على ابتكار الحلول ليس لمشاكله فقط بل لمصلحة الوطن .
ها نحن أمام جيل جديد له ولوج أقرب إلى السياسة كما إلى أفلام الترفيه والألعاب الالكترونية ، جيل سرقت منه عطلة صيفية بعد أن مكث خلال أشهر الحجر الصحي من السنة الدراسية محجورا عليه مع عائلته يتلقى الدروس عن بعد . هو جيل مجند مدنيا وإجباريا منذ طفولته ضد فيروس فتاك ، جيل يحمل معه إلى المدرسة قارورات كحول داخل محفظته، لا تقل والكمامة أهمية عن باقي أدواته المدرسية. هو جيل مقاومة من أجل الحياة، جيل الأمل في استمرار التعلم واللقاء الإنساني المباشر كما كان وإن تطورت المعطيات والعوامل التكنولوجية .
الحياة ستأخذ حتما وجها جديدا، لكن هل تطور معها ، في بلادنا السعيدة، الأحزاب السياسية من خطابها في مواجهة جيل جديد من الجماهير والمتتبعين، أم ستظل تتأرجح بين بيانات الشجب والتثمين ، معبرة عن مواقف تنسجم تماما مع قناعاتها الايديولوجية ، التي أكل عليها الدهر وشرب أمام تطور السياق التاريخي وأدوات التلقي والتحليل لدى المستهلك لخطابها وهو المواطن . وماذا لو صار هذا المواطن بسماته وانتظاراته الجديدة منتجا لهذا الخطاب ومساهما في تطويره . هل تنفتح الأحزاب بما يكفي بشكل حقيقي على المواطنين خارج الرهان الانتخابي وحساباته ؟ والأصل فيها والمقصد الأساسي من تواجدها هو تأطيره .
النظرة السياسية الكلاسيكية لمشاكل الشباب أصبحت متجاوزة لأنها تشكل عبئا على السياسة العامة ، وتحرم البلاد من سواعد وعقول شبابها ولا تتطلع إلى المستقبل ، بل أكثر من ذلك تتسم بقصر النظر ، لذلك فإن وضع الثقة في الكفاءات الشابة وتحميلها المسؤولية في المناصب السياسية والاقتصادية والتربوية سيفيد البلاد أكثر من الاقتصار على تحويلها إلى مستهلك للسياسات العمومية ومجتر لخطاب التيئيس عوض أن تكون حاملة لمشعل المستقبل والأمل.