من وجهة نظر الفاعل الاجتماعي والنقابي، حاول عبد الحميد الفاتحي، الكاتب العام للفدرالية الديمقراطية للشغل، في مداخلته، مقاربة إشكالية «المسألة الاجتماعية في النموذج التنموي الجديد». وبدأ الفاتحي بطرح تساؤلات حول الأوضاع في المغرب، مشيرا إلى توفر كم هائل من الدراسات حول تشخيصها، ثم تساءل عن موقع المسألة الاجتماعية في السياسات العمومية المغربية وعن وجود استراتيجية تنموية متكاملة ومنسجمة في هذا المجال.
وعرف الفاتحي أهداف السياسة الاجتماعية بأنها “بناء مجتمع تسوده العدالة والاستقرار تتوفر لها مقومات الاستمرارية”، مشيرا إلى أن المفروض في هذه السياسة “أن تتخطى السياسات القطاعية والبرامج الاجتماعية المعتادة. بمعنى أن المسألة الاجتماعية لا تنحصر في التعليم والصحة والحماية الاجتماعية إلخ، ولكن المسألة الاجتماعية أوسع من ذلك وتقوم على مؤسسات وإطارات كفيلة بدمج المسائل الاجتماعية وحقوق الإنسان في توجهات الدولة”.
وأشار الفاتحي إلى أنه من المفروض في السياسة الاجتماعية أيضا “أن تهدف إلى القضاء على الإقصاء الاجتماعي وإخماد بؤر التوتر الاجتماعي، وفي المحصلة الأخيرة هدف السياسة الاجتماعية كقضية اجتماعية هو تحسين جودة الحياة لجميع المواطنين”.
وتساءل “هل بلادنا تتوفر على سياسة اجتماعية، وهل تضع المسألة الاجتماعية في صلب تصورها الاستراتيجي للتنمية الشاملة للبلد؟”، مجيبا بالنفي.
وتحدث الفاتحي عن مختلف التجارب والمبادرات التي عرفها المغرب منذ الاستقلال، مشيرا إلى أنها تميزت بوضع آليات ومؤسسات تكلفت بتنفيذ وتتبع هذه المبادرات. لكنه أوضح أن ما يعاب على الاستراتيجيات التنموية التي اعتمدت خلال هذه الفترة هي أنها كانت تركز دائما على الجانب الاقتصادي وعلى جانب التنمية الاقتصادية. مضيفا أن “الجانب الاجتماعي والثقافي كان دائما في الهامش، كما أن هذه السياسات الاجتماعية كانت محدودة في برامجها القطاعية وحتى في الفئات المستهدفة”. وأضاف “بتقييم سريع يمكن القول إن تدخلات الدولة في الجانب الاجتماعي تميزت بعدم الفعالية والقصور لأنها لم تكن سياسات بعيدة المدى وإنما كانت تهدف إلى معالجة تشوه معين”.
واشار الفاتحي إلى وقوع تحول خلال فترة حكومة التناوب خلال التسعينيات مع دخول مفهوم جديد في مقاربة المسألة الاجتماعية، إذ تم اعتبار الرفع من الانفاق الاجتماعي استثمارا بشريا يعود بالنفع على الاقتصاد الوطني. وفي هذا السياق تأسست عدة مؤسسات، وكالة التنمية الاجتماعية سنة 1999، ومحمد الخامس للتضامن، المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وكالات تنمية بعض الجهات، برامج التشغيل، التغطية الصحية.
غير أنه أضاف أن ذلك لم يضع حدا للخلل، والذي حدده في أن المسألة الاجتماعية لم تعتبر كجزء من الاستراتيجية الوطنية للتنمية، بل كسياسة ملحقة تعمل على معالجة النتائج الاجتماعية الناتجة عن ضعف الاقتصاد، كالبطالة والفقر ومظاهر الهشاشة الاجتماعية. وقال “هذه سياسة ضيقة تركز على الجزئي وبرامج تفتقر إلى النجاعة وموارد ضعيفة يصعب تقييم أثرها على تحفيز الاقتصاد ولا أثر لها على النمو الاقتصادي ومشاريع متعددة تفتقد التنسيق والالتقائية”.
وقدم الفاتحي نماذج عن هذه المبادرات غير المكتملة، مشيرا، على الخصوص، إلى التغطية الصحية الإجبارية التي لم توفر لها الوسائل بما فيها بنيات الاستقبال والموارد البشرية والمالية، وإصلاح المقاصة غير المكتمل والذي توقف عند تحرير أسعار البنزين، والإصلاح الجزئي للتقاعد، وتجربة الحوار الاجتماعي الذي لم يتمكن من إيجاد إطار تنظيمي ومؤسساتي رغم كل التراكمات التي حققها منذ انطلاقه في 1996 حتى 2011، وكل ما نتج عن ذلك من تشوهات، وما أدت إليه من حركات احتجاجية انطلاقا من تنسيقيات الغلاء إلى الحراك.
وخلص الفاتحي إلى أن السياسة الاجتماعية يجب أن تندرج في إطار النموذج التنموي المنشود كركيزة أساسية بالتساوي مع باقي الركائز، الاقتصادية والصناعية والحقوقية والمؤسساتية، وأن لا تبقى سياسة ملحقة وتابعة تستعمل فقط لمعالجة بعض التشوهات التي تطفو على السطح وترقيع الآثار الجانبية لبعض السياسات الأخرى. وأضاف أن السياسة الاجتماعية المفروض اتباعها يجب أن أن تكون لها واجهة مؤسساتية تنبني على مؤسسات دستورية وسياسية ديمقراطية، الحرص على احترام الحقوق والحريات الأساسية للمواطنين، توفير الفرص الاقتصادية للجميع وأن يكون التكافؤ في الولوج للفرص الاقتصادية، سيادة القانون على الجميع، مأسسة الحوار الاجتماعي والمفاوضة الاجتماعية، ومشاركة المجتمع المدني.
وبالإضافة إلى ذلك شدد الفاتحي على ضرورة دمج المسألة الاجتماعية والمساواة كقضية رئيسية في جميع القطاعات، واعتماد سياسات شاملة تستهدف كل فئات المجتمع، ووضع الإطار المؤسساتي والقانوني لاتخاذ القرار في ما يتعلق بالقضايا الاجتماعية أو السياسة الاجتماعية بصفة عامة، وتطوير أدوات تتيح فوائد التنمية المنصفة لجميع شرائح السكان، وتوفير الموارد المالية ودعمها بالالتزام السياسي والقانوني، ووضع المسألة الاجتماعية في موقع يوازي السياسة الاقتصادية في عملية صنع القرار السياسي.
وأشار الفاتحي في ختام تدخله إلى أن النموذج التنموي الجديد لا يمكن أن ينجح بدون توفير جو سياسي ملائم يتيح إشراك الجميع، مع تجنب معوقات النموذج الحالي بما في ذلك إشكاليات الشفافية، خصوصا في التعامل مع الصفقات العمومية والمقاولات، إضافة إلى ضرورة مأسسة الحوار الاجتماعي وإخراج قانون النقابات وقانون منصف للإضراب.

تعليقات الزوار ( 0 )

مواضيع ذات صلة

الكاتب الأول يحضر اللقاء التواصلي الأول لنقيب المحامين بالرباط

تقديم طلبات التسجيل الجديدة في اللوائح الانتخابية إلى غاية 31 دجنبر 2023

الأخ عبد الحميد جماهري يشارك في الندوة الوطنية المنظمة من طرف حزب التقدم و الاشتراكية

الكاتب الاول ينعي وفاة الاخ عبد اللطيف جبرو