يمكن القول إن حرية التعبير من أهم مقومات الديمقراطية، لذلك أفْرَدَ لها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان المادة 19 ، التي تنص على أنه «لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل، واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت دون تقيد بالحدود الجغرافية».
وبعد ذلك جاء العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، الذي وضع بعض القيود لهذا الحق، شريطة أن تكون محددة بقانون، وأن تكون ضرورية، مثل احترام حقوق الآخرين وسمعتهم، وحماية الأمن القومي والنظام العام والصحة العامة والآداب العامة. فالأمر هنا واضح، و يتعلق بحرية التعبير، المكفولة لكل مواطن، كيفما كان موقعه ومهنته وانتماءه، و لا يمكن وضع حدٍ لها، بأية إجراءات أو قوانين، إلا إذا أساءت للشروط المشار إليها في هذا العهد.
وإذا كانت حرية الصحافة جزءا أساسيا من حرية التعبير، فإنها مختلفة من حيث القواعد والشروط، لأن ممارسة الصحافة والنشر والإذاعة والبث… تخضع لقواعد متعارف عليها عالمياً، سواء بالنسبة للمهنيين الصحافيين أو المسؤولين عن المقاولات والمؤسسات الصحافية والإعلامية.
هناك فرق شاسع بين ممارسة حرية التعبير، التي يمكن أن تتخذ عدة أشكال ووسائل، أصبحت سهلة مع انتشار التكنولوجيات الحديثة، وبين امتهان حرفة منظمة في كل البلدان، وخاصة الديمقراطية، حيث لا يمكن ولوجها إلا بشروط تعاقدية وقانونية وأكاديمية وأخلاقية، كما هو الشأن بالنسبة لكل المهن الليبرالية الأخرى.
إن «التقييدات» الموضوعة في ممارسة حرية الصحافة، ضرورية، ليس من أجل التضييق على حرية التعبير، بل على العكس من ذلك، فقد ناضل من أجلها المهنيون، في مختلف بلدان العالم، بهدف حماية مهنة الصحافة، عبر مختلف الآليات، من أهمها الحصول على مستوى دراسي عال، والخضوع للتكوين والتدريب في تخصص الصحافة والإعلام، وتوفير إطار تعاقدي وحدٍ أدنى للأجور، وخاصة من خلال الإتفاقية الجماعية، وضمان ممارسة الحق النقابي وديمقراطية التحرير واحترام الأخلاقيات، وغيرها من المقومات التي تجعل من الصحافة مهنة نبيلة، منظمة بقوانين وتعاقدات وضمير مهني، في إطار المسؤولية الاجتماعية.
ونفس المنطق يسري أيضا على المقاولة الصحافية والإعلامية، كيفما كانت وسيلة انتشارها، ورقية أو إلكترونية أو إذاعة أو قناة، فالكل ينبغي أن يخضع للقوانين الجاري بها العمل في نظام الشركات، بكل الضمانات القانونية، الصناعية والتجارية والخدماتية والضريبية، وفي احترام تام للحقوق والالتزامات الاجتماعية للعاملين.
لذلك، فالفرق شاسع بين حرية التعبير وحرية الصحافة، الأولى، مشاعة لكل الناس وبمختلف الوسائل، والثانية، منظمة بقوانين وقواعد، بهدف واحد، هو احترام المسؤولية الاجتماعية، لتقديم خدمة صحافية جيدة ومسؤولة وراقية وذات مصداقية.