يمكن للذين يتابعون الحياة السياسية في عدد من البلدان الديمقراطية، أن يلاحظوا كيف تتمحور المواجهات والنقاشات بين الفرقاء السياسيين، من وزراء ونواب برلمانيين ومسؤولي الاحزاب والنقابات، حول أدق التفاصيل في الحياة اليومية للمواطن، مثل النظام الضريبي والاجور والاسعار وتكاليف التعليم والصحة وأوضاع القطاعات الاقتصادية والاجتماعية، وغيرها من القضايا الملموسة التي تؤثر بشكل مباشر على مستوى العيش.
لا يمكن للسياسيين في البلدان الديمقراطية، التهرب من الحديث عن أدق هذه التفاصيل، وتقديم وجهات نظرهم والبدائل الممكنة، ليس على المستوى العام، بل عن دراية بما يهم المواطن في كل مستويات عيشه واهتماماته، وهو ما يثري النقاشات والجدل الذي يمكن متابعته في المواجهات، التي تنقلها القنوات باستمرار، مثلما حصل مثلا، في فرنسا، بمناسبة مرور سنة على ولاية الرئيس ماكرون.
فقد شارك عدد من ممثلي الأحزاب السياسية، الذين تطرقوا إلى مختلف مظاهر هذه الحصيلة، ليس على المستوى السياسي، فحسب، بل على كل المستويات، وخاصة الوضع الاقتصادي، في ارتباطه بالحياة اليومية للمواطن، وهو أمر عادي، في البلدان الديمقراطية، حيث لا يتعالى السياسيون على المواطنين، أو يستهينون بمشاكلهم المعيشية اليومية، لأنهم يدركون أَن ما يعطي الشرعية لوجودهم، سواء كانوا في الحكومة أو المعارضة، هو مدى اهتمامهم بهذه المشاكل، وقدرتهم على تقديم الأجوبة والحلول لها.
ومن المعلوم أن موضوع «القُفّة»، أو ما يسمى بالفرنسية «le panier de la ménagère »، يدخل أيضا في صميم اهتماماتهم، أي تكلفة المواد الاستهلاكية، التي تمثل الهاجس الأول للمواطن، ومن المفترض أن تمثل أيضا الهاجس الأول للسياسي، كيفما كان موقعه، وإلا فإنه سيكون خارج السياق، بعيدًا عن الواقع، لذلك فمن الطبيعي أن ينظر له المواطن، بنوع من التوجس.
ويمكن القول إن التطورات الأخيرة، في الواقع المغربي، خاصة بعد حملة المقاطعة، أثبتت إلى أي حد تحتاج فيه الحياة السياسية، إلى تصحيح، ليصبح واقع المواطن، أي مشاكل حياته اليومية، وتكلفة المعيشة، ومعاناته في التربية والصحة والنقل، وغيرها من التفاصيل التي يعشها، موضوعاً للنقاش والجدل بين السياسيين، وليس الاكتفاء بالشعارات الكبرى، حول «الديمقراطية» و»التحكم» و»محاربة الفساد» و»الارتباط بالجماهير» وغيرها من القضايا التي لها أهميتها، لكنها بدون ترجمة في الواقع اليومي، من خلال تقديم أرقام وبدائل دقيقة، وخاصة ما يتعلق بالقُفّة، فإنها تظل متعالية.