في أي إطار يدخل زرع الكيان الصهيوني في قلب العالم العربي؟ أ هو مجرد البحث عن «وطن قومي» لليهود، كما جاء في وعد بلفور سنة 1917؟ أم أن الأمر يدخل في إطار مخطط استعماري، لا يقف عند حد إقامة دولة الاحتلال الإسرائيلي، ليتجاوزها إلى تهديد ما يسمى ب»الأمن القومي العربي»؟
ربما يبدو هذا النقاش قديماً ومتجاوزاً، لكنه في الحقيقة آني وضروري، بعد أن أخذت بعض الأصوات تتعالى، معتبرة أَن هذا الكيان ليس عدواً لنا.
لقد جاء وعد بلفور، مباشرة بعد التوصل إلى اتفاقية سايكس بيكو، سنة 1916، التي تم بموجبها تقسيم منطقة الهلال الخصيب، بين فرنسا وبريطانيا. ولم يكن إنشاء «وطن قومي» لليهود معزولا عن هذا المخطط، الذي طال كل العالم العربي، والذي كان محتلا من طرف الاستعمار، من شرقه إلى غربه.
فقيام دولة الكيان الصهيوني، جاء في إطار صيرورة استعمارية، وليس مجرد اختيار عرضي، لعودة اليهود لما يسمونه «الأرض الموعودة»، في فلسطين. وقد استمر هذا المخطط، متخذاً كل الأشكال البشعة والهمجية، من احتلال وطرد للفلسطينيين من أرضهم، والمجازر الجماعية، والقتل والاعتقال، والتعذيب، والاعتداء على أراضي بلدان أخرى، مثل مصر وسوريا، واحتلالها.
وتعتبر دولة إسرائيل جزءاً من المخطط الاستعماري، في العالم العربي، تساهم إلى جانب القوى الإمبريالية في تنفيذه ، كما فعلت عندما تزعمت العدوان الثلاثي على مصر، إلى جانب فرنسا وبريطانيا، سنة 1956، وكما فعلت في عدوان 1967، واحتلالها للقدس وأراضي فلسطينية وتنفيذ سياسة الاستيطان، بالحديد والنار.
إقامة الكيان الصهيوني، ليس سوى جزءٍ من مخطط استعماري، تواصل باحتلال العراق، وبزرع بذور الفتن، والنزاعات الطائفية، والقبلية، وتشجيع الحروب الأهلية، والتواطؤ مع الجماعات المتشددة، حيث يظل الهدف الرئيسي هو المضي قدماً في مؤامرة التقسيم والتجزئة، التي يعاني منها المغرب، أيضا، في إطار المخطط الاستعماري، الذي تتواصل مخلفاته بشكل واضح في احتلال إسبانيا لمدن وجزر في الشمال.
محاولة فصل إقامة الكيان، عن هذا المخطط الشامل، لا يستقيم مع الوقائع العنيدة للتاريخ، التي تكشف أن دولة الاحتلال، ليست سوى مسمارٍ في آلة الاستراتيجية الإمبريالية، التي غرزتها ومولتها وسلحتها وتواصل حمايتها، بكل الوسائل.