مصطفى المتوكل

لكل أمر ظاهر وباطن ومعلوم ومجهول …ولكل تفكر وعمل قصد عام وخاص.. ..ولكل مبادرة كيفما كان نوعها خلفية ومرجعية معلنة وخفية …وقد تسير الأمور على نقيض ما يقال ويقدم .. وكل جهةمستقبلة لجزئيات وكليات السياسات العمومية لها من وسائل الإيضاح الملائمة لنواياها والمعللة لها ما يكفي من الدفوعات لتبني القبول أو الرفض وتأسيس القرارات الملائمة لأي حالة ..
ومن هنا يمكن القول علميا أنه لا أحد يمتلك الحقيقة الكاملة، كما لا أحد يحتكر المعرفة بجميع فروعها وأصولها ….لهذا فكما أن النظرية النسبية تعتمد في العديد من العلوم ..فكذلك أمور الفهم والاجتهاد والتدبير والتطبيق في الدين والسياسة والحياة الاجتماعية نسبية …وكيفما كانت الأحوال، فالعبرة ترتكز على أن يعرف كل واحد كيف يقيم أموره ويقومها في علاقة بنفسه ومحيطه الخاص والمحيط العام …فالإيجابيات التي يتبناها ويفتخر بها الناس، لاتتطلب أن يكون عليها إجماع المجتمع كله ..لأنها قد تكون غير ذلك مع من تتقاطع وتتضارب أو تتعارض مصالحهم مع مصالح الآخرين ..ومن هنا اأهمية الوسطية والعدالة والتوازنات والكفاءة …
فلكل واحد طريقته في الاختيار والفهم والعمل التي قد يراها ويعتقد بأنها الصحيحة .. ومن هنا فالصحيح الوحيد غير موجود …
لهذا لا يتم الانتباه في زحمة وضجيج القـيل والقال والمزايدات أن العديد من المواقف والأدوار يتناوب عليها المتناقضون والمتعارضون مع المتوافقين والموافقين ..فما هو ممنوع ومحرم ومكروه وغير مقبول يتحول إلى مباح وموقف ثوري بعد أن كان رجعيا أو انبطاحيا أو …وما هو مباح وإيجابي يصبح بدعة وضلالة وخروجا عن الإجماع ..فحتى الأسلحة التي تستعمل في المعارك السياسية والاجتماعية والفكرية يتناوب عليها الجميع كل بمنهجه وأسلوبه وتعابيره …ليصبح البسطاء وحتى النخب أمام إشكالية أن المختلفين والمتعارضين يدينون أسلحة بعينها ويستعملونها في نفس الآن …؟
والأخطر هو تحول البعض من هؤلاء إلى وحوش آدمية في نظر المتتبعين والمتتبعات لتناطحهم الفكري والسياسي والمذهبي …بتعطيلهم لعقولهم وبعدم احترامهم لمستويات وعي إدراك النخب والعامة …
إن أغرب أنواع الغباء/ الجهل الذي يملأ كل الفضاءات آفة النسيان التي قد تطال التاريخ والهوية المشتركة بين أهل الملة أو المذهب أو اليسار أو اليمين أو ما بينهما، أي بين الناس كافة .. والقصد هنا هو القيم الأخلاقية الإنسانية والعمل المشترك من أجل الصالح العام بالتنافس الإيجابي والنقد الناصح المطور للمبادرات …
فعندما ينسى الإنسان حقائق أو يتجاهلها أو يزورها، يفقد طريقه وهويته ويضيعهما ..وتتعارض عنده الأهداف الشخصية مع العامة .. وتتم الإساءات إلى الغايات السامية والنبيلة من الوجود الإنساني …
إن الأسئلة التي نطرحها لنؤسس بها لأجوبة من أجل تحقيق التغيير المنشود مرتبطة بشكل قوي بدرجة فهمنا وتصورنا الموضوعي والواقعي لعالمنا ومجتمعنا وأنفسنا ….قال تعالى (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ)سورة الرعد
فالناس يكونون كما يريدون بالتربية والثقافة التي يمتلكون ..كما تتحكم أيضا السياسات الرسمية والنخبوية في أحوالهم بتكريس جهلهم وتخلفهم أو تقدمهم وازدهارهم ..إن أي مجموعة بشرية منغلقة على نفسها ولاتتفاعل مع محيطها ومن هم أحسن منها خبرة وتجربة، تعتقد أنها الأفضل والأحسن، سواء أتعلق الأمر بالشعوب البدائية في أدغال افريقيا أو الأمازون أو بغيرهم من الشعوب التي تظن أنها في طور النمو أو حتى المتقدمة …

فما الذي نسعى إليه، ونبذل الجهد الكبير ليصبح واقعا ملموسا ؟ .. هل بناء العالم/ الوطن ببناء الإنسان ..أو تقوية الأنا الجشعة ..؟..وماذا يرجح عند تضارب المصالح العامة والشخصية ..؟ وكيف يفسر منطق الربح والخسارة ..؟
إن النقص في المعارف والغموض في الخطط والرؤى والتردد في اختيار واتخاذ القرارات المناسبة، يوسع من مساحات المجهول عند أصحاب القرار والمتتبعين، ويقلص من حجم وقوة المعلوم ..
إن المبادرات المبنية على آفاق مجهولة بغض النظر عن مصدرها …لايمكن أن تحقق أي تراكم إيجابي مستدام، بقدر ما تعطل الآليات والإرادات المترددة والتائهة بين الوصول بتضحية ونكران ذات ..وبين تحقيق مصالح شخصية أو فئوية معينة ..
إننا جميعا في حاجة إلى إصلاح وتجديد وتحديث وتخليق أنفسنا ..وفي حاجة إلى استنهاض الهمم والتفرغ للمصالح العليا للشعب مع الوفاء لخط وتضحيات من حرروا الأوطان والعقول ودافعوا عن الحقوق والإنسان …وضرورة تجنب تصنيف الأدوار إلى شياطين وملائكة في تعاملنا مع واقعنا الذي نتحمل جميعا مسؤوليات ترديه وتدهوره، كل من موقعه، وبطريقته، وخاصة أهل الحل والعقد عند الدولة والجماعات المدنية …
إن تغيير الحكومات والحاكمين وحدهم لايكفي للإجابة العملية على الانتظارات إن لم تتغير عقلياتهم وممارساتهم وطرق عملهم ..وكذلك الشأن بالنسبة للشعوب تحتاج إلى تطور معارفها وامتلاكها لسلطة اتخاذ القرارات الواعية الملائمة لكل مرحلة ..
إن تجاهل الدولة والقوى الحية لضرورة تحقق وعي عام بكل آلياته بالمجتمع، هو تعبير عن جهل أو خوف من وعي الناس وتجاوزهم للنخب الحاكمة وللسياسيين …
إننا يجب أن نؤمن بأن ضمان الاستقرار والتطور، لايكتملان إلا بأن يعم نور الحق والمعرفة والعدالة كل مفاصل وجزئيات وكليات الدولة والشعب …
الخميس 17 نونبر

تعليقات الزوار ( 0 )

مواضيع ذات صلة

الكاتب الأول في المجلس الجهوي الموسع بجهة مراكش آسفي .. حصيلة الحكومة: تحقيق أرقام قياسية خطيرة في البطالة والهشاشة 

الكاتب الأول الأستاذ إدريس لشكر يترأس المجلس الجهوي الموسع بجهة مراكش -أسفي

انتخاب الاخ سعيد بعزيز رئيسا للجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان

انعقاد المؤتمر الثامن لإقليم الرباط