عن جريدة الاتحاد الاشتراكي
تقدم القضية الكاطالانية، العديد من الدروس السياسية والقانونية والحقوقية، ضمن صيرورة الديمقراطية الإسبانية، تعنينا كثيرا في ضفتنا المغربية والمغاربية. ليس فقط، بحكم التعالق التاريخي بين ملف استكمال وحدتنا الترابية ومدريد، التي كانت واحدة من القوى الاستعمارية التي احتلت أجزاء عديدة من ترابنا الوطني، وأن أجزاء وازنة من نسيجها الحزبي والجمعوي قد ظلت تعمل منذ أكثر من 40 سنة، على دعم فكرة الانفصال في أقاليمنا الصحراوية الغربية الجنوبية. بل، لأن ملف إقليم كاطالونيا، يطرح تحدي بقاء الدولة الإسبانية، كما تبلورت منذ العهد القشتالي، أي منذ القرن 15، وأن ذلك الانفصال، سيشكل مدخلا لتهديد مصير دول عدة بحوض البحر الأبيض المتوسط، لعل أكثرها عرضة لمخاطر التقسيم، هي إيطاليا (مطالب الشمال التوسكاني الانفصالية) والجزائر (مطالب منطقة القبائل) وفرنسا (ملف كورسيكا).
إن شكل التدبير الذي باشرته الدولة الإسبانية، من خلال مؤسساتها المدنية والعسكرية، تأسيسا على تأويل دستوري، يقدم الكثير من الدروس، حول حق الأمم في الدفاع عن وحدتها الترابية والوطنية، لا يمكن إلا أن نعتبره مغربيا، دليلا آخر جديد، من قلب القارة الأوربية، ومن قلب الدولة الاستعمارية التي احتلت ولا تزال تحتل أجزاء من أراضينا الوطنية، على أن موقفنا الوطني مغربيا، للدفاع عن وحدتنا الترابية يتم بمنطق الدولة، المسنودة بالشرعية الوطنية وبروح القانون السيادي للدول. ذلك، أن التنازع الذي ظل قائما، بين المطالب الكاطالانية وبين جواب الدولة الإسبانية، منذ القرن 17، والذي انتهى إلى أشكال متطورة، للحكم الذاتي ثم الاستقلال الذاتي، ضمن وحدة الراية والبريد والعملة الإسبانية، على امتداد القرن 20، يقدم للجميع بمنطقتنا مشتلا للتأمل والدراسة، حول الكيفيات الممكنة لتحقيق الإنصاف المجالي والإنصاف الثقافي واللغوي، ضمن منظومة حقوق الإنسان في معناها الشامل والكوني، دون التفريط في حق الشعوب والأمم والدول في مواجهة البلقنة والتشتيت.
إن السقف الأعلى، الذي منح للحكومة الإسبانية ولمؤسسات الدولة بمدريد (في مقدمتها المؤسسة العسكرية)، الحق الدستوري في التدخل بصرامة لمنع تنفيذ استفتاء استقلال إقليم كاطالونيا، هو سقف الوطن، الذي يعلو ولا يعلى عليه. وأنه حماية للمؤسسات الديمقراطية، وللصيرورة الديمقراطية لكل الإسبان، لم تتردد مدريد في التدخل بصرامة لمنع مطلب الانفصال. الأمر، الذي يقدم ما يكفي من الأدلة القانونية والشرعية على أننا في ضفتنا المغربية، ننافح من أجل ذات المبادئ المحركة اليوم للدولة الإسبانية، في دفاعنا المشروع والحيوي والقانوني، عن وحدتنا الترابية سواء في صحرائنا الغربية أو في باقي مناطقنا المحتلة بسبتة ومليلية والجزر المتوسطية.
إن الامتحان الإسباني، جد مهم، لأنه امتحان تاريخي غير مسبوق يواجهه الإسبان كدولة. وهو يقدم اليوم، ما يكفي من المادة القانونية والحقوقية، للدراسة من قبل خبراء القانون الدولي، وكذا من قبل خبراء علم السياسة، لأنه امتحان بقاء فكرة الدولة المركزية، كما تبلورت أوروبيا، منذ مبادئ الدولة القومية بعد الثورة البورجوازية في القرن 16، ما يجعل الملف الكاطلاني ليس مجرد ملف إسباني، بل هو ملف بأبعاد أوروبية ومتوسطية ومغاربية ودولية. وعلينا مغربيا، أن نجعله واحدا من مرتكزات دفاعنا الوطني عن حقوقنا المشروعة مغربيا، في حماية وحدتنا الترابية، في تصالح مع مبادئ حقوق الإنسان العالمية، المنتصرة للحقوق السياسية والاقتصادية والثقافية والمجالية.

تعليقات الزوار ( 0 )

مواضيع ذات صلة

الفدرالية الديمقراطية للشغل تحتفل بالعيد الأممي فاتح ماي بطعم الاحتجاج

 إدريس لشكر، الكاتب الأول للحزب: الحكومة تخلط بين الحوار والمقايضة ولا تميز بين الزيادة العامة في الأجور وإصلاح نظام التقاعد!

الكاتب الأول في المجلس الجهوي الموسع بجهة مراكش آسفي .. حصيلة الحكومة: تحقيق أرقام قياسية خطيرة في البطالة والهشاشة 

الكاتب الأول الأستاذ إدريس لشكر يترأس المجلس الجهوي الموسع بجهة مراكش -أسفي