تأخذ معاناة الأسير الفلسطيني، نكهة أشد واقعية ومرارة، عندما تحكيها زوجته، مثلما حصل عندما قدمت زوجة القيادي في نقابة الصحافيين الفلسطينيين، عمر نزال، يوم 19 فبراير الأخير، شهادة مؤثرة أمام الحاضرين في اجتماع بمقر البرلمان الأوروبي، ببروكسيل، حكت فيها كيف تم اعتقال زوجها، وهو يحاول المرور من جسر الكرامة، ليسافر إلى سراييفو، لحضور اجتماع لاتحاد الصحافيين الأوروبيين، غير أن السلطات الإسرائلية اختطفته، وقادته إلى مركز التوقيف، المسمى «عتصيون»، وبعدها لسجن «عوفر».
تعرض عمر لكل أنواع التنكيل والإهانة، في مركز الاحتجاز، بعدها تم نقله في حافلة صغيرة، تشبه القبر، بكل المقاييس، حسب شهادة الأسرى، ليدخل السجن، دون أن توجه له أي تهمة، في إطار ما يسمى لدى دولة إسرائيل، ب»الاعتقال الإداري»، وهو شكل من أشكال الاحتجاز القسري، يمكن تمديده، من طرف السلطات العسكرية، دون أي تهمة، وتبرره بما تسميه «الملف السري»، كما حصل مع عمر نزال، الذي تم تمديد احتجازه، إحدى عشرة مرّة، من طرف محكمة شكلية، ملحقة بالسجن.
خلال عشرة أشهر من الاعتقال الإداري، لم يعرف عمر ولا أسرته ولا زملاؤه، التهمة الموجهة إليه، ما عرفته الأسرة هو الظروف اللاإنسانية للأسْر، حيث كانت مضطرة لقطع عشرة كيلومترات للوصول إلى السجن، خلال ست ساعات، لأن الاحتلال يفرض طرقا ومداخلَ خاصة على الفلسطينيين، وقد يمنع الزيارة، بدون مبرر، كما أن الأسرة مضطرة لتزويد الأسير بكل مايحتاجه، أي أن إسرائيل تفرض على السجين تمويل اعتقاله، إذ يكلف أسرته حوالي 500 دولار شهرياً.
في كل مرة يعرض عمر على المحكمة، توضع الأصفاد في يديه ورجليه، وفي الجلسة العاشرة، قال القاضي، إنه لا يرى مبرراً لتمديد الاعتقال الإداري، لكنه مقتنع بعمل السلطات الأمنية، لذلك وافق على التمديد، «هذه هي الدولة التي تتبجح بالديمقراطية واستقلالية العدالة»، تقول ماريا، في شهادتها أمام البرلمانيين الأوروبيين.
خاض عمر إضرابا عن الطعام، لمدة 18 يوماً للدفاع عن حقه في محاكمة عادلة، وقطعت عنه السلطات السكر والملح، مكتفيا بماء الحنفية، حيث فقد 23 كيلوغراما وتأثرت صحته كثيراً، وهي نفس أحوال كل الأسرى، الذين يخوضون الإضرابات، دفاعا عن حقوقهم، منهم ما يفوق، كل سنة، 500 أسير، محتجزين باسم الاعتقال الإداري، الذي ليس سوى احتجاز قسري، يعتبر جريمة في كل القوانين المعمول بها على وجه الأرض، باستثناء الأرض التي يغتصبها الكيان الصهيوني.