محمد إنفي

أول سؤال تبادر إلى ذهني وأنا أقرأ بلاغ الدار البيضاء للأعضاء العشرة من المكتب السياسي للاتحاد اشتراكي، هو سؤال المصداقية؛ ذلك أنه يكشف عن غياب الشجاعة الأدبية لدى أصحابه، إذ تحاشوا ذكر السبب الحقيقي والمباشر الذي جمعهم في العاصمة الاقتصادية للمغرب؛ كما أنهم يفتقدون إلى الأمانة العلمية لكونهم تغاضوا عن ذكر القرارات التي ساهموا فيها، بل أشرفوا( إلى جانب الكاتب الأول وباقي أعضاء المكتب السياسي) على اتخاذها وبالإجماع، فيما يتعلق بالمؤتمر الوطني العاشر؛ ناهيك عن إجماعهم على تكليف الأستاذ إدريس لشكر، الكاتب الأول للحزب، بتدبير المشاورات والمفاوضات فيما يخص مشاركة الحزب في الحكومة؛ بل وأجمعوا على أن يستوزر هو بالذات، رغم قراره الشخصي بعدم الاستوزار والالتزام بذلك أمام اللجنة الإدارية للحزب.

وقبل الحديث عن سبب نزول بلاغ الدار البيضاء، أشير إلى أن الموقعين عليه (باستثناء عبد الله العروجي الذي قاطع اجتماعات المكتب السياسي واللجنة الإدارية منذ مدة طويلة) صوتوا جميعهم مع أعضاء المجلس الوطني واللجنة الإدارية بالإيجاب على مشاريع مقررات المؤتمر الوطني العاشر وعلى المراحل الموالية في التحضير (انتخاب المؤتمرين قبل نهاية شهر أبريل وكذا عقد لقاءات مع المناضلين لدراسة المشاريع المذكورة).

لذلك، أشعر بخيبة أمل كبيرة وبصدمة قوية أمام هذا الانقلاب الذي سببه الحقيقي والمباشر أطماع صغيرة لأناس كنا نعدهم كبارا. لقد انقلبوا على القرارات التي شاركوا فيها وأشرفوا على اتخاذها، بعد أن تبخر حلمهم في الاستوزار (يمكن استثناء شخص أو شخصين، على الأكثر ، من هذا التعميم ؛ بالإضافة إلى عبد الله العروجي).

وينطوي هذا الانقلاب على إساءة بليغة للمؤسسات التقريرية في الحزب (اللجنة الإدارية والمجلس الوطني). كما أنه يُبخِّس عمل اللجنة التحضيرية التي هم أعضاء فيها؛ ناهيك عن استبلاد الجميع (مناضلين ومسؤولين وطنيين ومحليين) بادعاء الحرص على وحدة الحزب وتجميع طاقاته، وهم أول من يسعى إلى تهديم ما بني تنظيميا وسياسيا، منذ 10 أكتوبر 2016 إلى اليوم بسبب طمعهم في الاستوزار.

فرجاء لا تحتقروا ذكاء المناضلين والمناضلات. فالحديث عن “القلق والحيرة تجاه مسلسل التراجع السياسي والتمثيلي والمجتمعي لحزبنا”، هو قلقكم وحيرتكم بسبب عدم تحقيق ما منيتم به أنفسكم من مناصب تعتقدون أنكم أحق بها دون غيركم من الأطر الاتحادية. وقد أعطيتم بهذا أسوأ مثال في الانتهازية والأنانية، خاصة وأنكم فاعلون أساسيون في مسلسل التراجع الذي تتحدثون عنه. فرد فعلكم انتهازي بامتياز. لقد أعطيتم الدليل، بما لا يدع مجالا للشك، بأن كل خطواتكم كانت محسوبة (ولم تكن أبدا نضالية أو مبدئية) منذ أن وصلتم إلى المكتب السياسي لحزب الشهداء والمناضلين والقوات الشعبية.

أما المناضلون والمناضلات، وحتى الكثير من المواطنين والمواطنات، فقد استبشروا خيرا بالمنجز السياسي الكبير الذي حققه الاتحاد الاشتراكي (رغم ضعف حضوره التمثيلي) والذي أعاده إلى الواجهة السياسية وبقوة. وكنتم من المهللين لهذه العودة ولم نكن نعلم بأن أعينكم على “همزة” الاستوزار. ولما تبخر الحلم، انقلبت أطماعكم الشخصية إلى معاول للهدم وتبخيس كل ما أنجز.

ولن تنطلي على المناضلين والمناضلات المتتبعين لما يجري داخل حزبهم اللعبة الحقيرة التي يريد البعض أن يلعبها. فمستوى التذمر والإحباط الذي أصيب به المتطلعون إلى الاستوزار في حكومة سعد الدين العثماني، معروف لدى الاتحاديات والاتحاديين ولدى الرأي العام المتتبع، أيضا. وما حديثهم عن تصحيح مسار التحضير للمؤتمر إلا لإخفاء السبب الحقيقي لموقفهم (غضبهم من عدم الاستوزار).

لقد كان كافيا أن تظهر حكومة العثماني للوجود لينقلب إلى عكسه كل ذاك التملق والتقرب والتودد الفاضح والمكشوف إلى الكاتب الأول للحزب؛ وكأن هذا الأخير كان هو الماسك بخيوط تكوين الحكومة وبإمكانه أن يوزِّر كل هذا الرهط، ولم يفعل.

وقد وصل بهم الانفعال إلى إطلاق الكلام على عواهنه. فحديثهم عن عمق الأزمة في علاقة الأجهزة ببعضها البعض، يكذبه الواقع؛ وكلامهم عن الإيمان بضرورة الحفاظ على وحدة الحزب وتماسكه، إنما هو كلام حق يراد به باطل؛ إنه كلام للاستهلاك والتغطية على السبب الحقيقي الذي ليس سوى خيبة أملهم في الاستوزار. ومنهم من عبر عن ذلك صراحة ومنهم من فعل ذلك ضمنيا.

كنا نعتقد، في اللجنة التحضيرية للمؤتمر الوطني العاشر (وقد تم التعبير عن هذا في كثير من التدخلات)، أن هذه المرة نحضر المؤتمر في ظروف أحسن من المؤتمرات السابقة التي كانت تخلف، دائما، خسائر في موارد الحزب البشرية وتُحدث نزيفا في تنظيماته. ويبدو أن قدر حزبنا أن ينخره أبناؤه من الداخل بسبب الطموحات والتطلعات الشخصية التي لا تقيم وزنا لا للمؤسسات ولا للمبادئ ولا للتاريخ. ثم بعد ذالك يتباكون على ضعف وجوده في المؤسسات التمثيلية والتدبيرية وفي المجتمع. هزلت !!!!!!!!!!!!

أما أنا، شخصيا، فقدري أن أضحي بصداقاتي وعلاقاتي الشخصية، مهما كان عمقها ومتانتها، حين توضع هذه العلاقات في كفة والاتحاد الاشتراكي في كفة أخرى. وليست هذه هي المرة الأولى التي أجد فيها نفسي في هذا الموقف. ولن أتردد في الدفاع على الاتحاد الاشتراكي ضد أبنائه الجاحدين (أصحاب الريع)، ما دمت قادرا على ذلك.

تعليقات الزوار ( 0 )

مواضيع ذات صلة

وفد عن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية يشارك النسخة الثانية من المنتدى الدولي للبرلمانيين الشباب الاشتراكيين والديمقراطيين الاجتماعيين بكولومبيا

الكاتب الأول إدريس لشكر: ضرورة نهضة حقيقية لمنظومة التربية والتكوين لتنزيل الإصلاحات وتفعيل القانون الإطار

عبد الرحيم شهيد : الحكومة الحالية ذات التوجه الليبرالي ليس لها نفس سياسي ديمقراطي

الكاتب الأول في المؤتمر الإقليمي الرابع للحزب بزاكورة:نحن في حاجة إلى أن نحافظ على وحدتنا، وبلادنا كما يشاهد الجميع قدمت دروسا لجيراننا