البيان العام

 

إن المؤتمر الوطني الخامس للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية المنعقد بالرباط أيام 30-31 ابريل 1989 بعد مناقشته لمختلف التقارير الفرعية التي أعدتها اللجنة التحضيرية، واعتمادا على ما ورد في المدخل العام للتقارير المعروضة للنقاش،وفي التقرير الذي قدمه المكتب السياسي أمام المؤتمر.

واقتناعا منه بكون هذا المؤتمر يعد منطلقا جديدا في حياة الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية استنادا للتراكم الذي أنجزه الحزب في مجال النضال اليومي ضد التسلط والاستغلال.

واستنادا لما حققه من خطوات أساسية في بناء الحزب الاشتراكي المرتبط بقضايا الجماهير، والوفي لهويته الاشتراكية.

واستنادا إلى تجربة الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الزاخرة بالتضحيات والعطاءات، والمرتبطة بالصراع الأساسي الذي يعرفه مجتمعنا منذ بداية الاستقلال بين قوى التقدم والتغيير الديمقراطي وبين قوى المحافظة وتكريس مجتمع الطبقات والمصالح الفئوية.

وانطلاقا من المبادئ الثابتة لحزبنا وقناعاته النضالية المعبرة عن تطلع الشعب المغربي لتحقيق تحرير شامل للتراب الوطني ولطاقات الإنسان المغربي، ولبناء ديمقراطية حقيقية، ولتشييد المجتمع الاشتراكي.

واعتبارا للأوضاع السياسية والاقتصادية التي تعرفها  بلادنا والتي أصبحت مصدرا لتدهور خطير يمس كل الفئات الشعبية المحرومة في البوادي والمدن.

ووعيا منا بالمسؤولية الملقاة على عاتقنا في معالجة أهم القضايا الداخلية والخارجية المطروحة على بلادنا في هذه المرحلة بما يتطلبه ذلك من وضوح وصرامة، وانطلاقا من المطروحة على بلادنا في هذه المرحلة بما يتطلبه ذلك من وضوح وصرامة، وانطلاقا من الروح التي سادت المؤتمر، فان المؤتمر الوطني الخامس للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية يرى:

على المستوى الدولي:

إن المؤتمر الوطني الخامس وعيا منه بالرهانات التي تنطوي عليها التحولات العميقة التي يشهدها العالم على مشارف القرن الواحد والعشرين، يعتبر:

إن انبثاق الثورة العلمية والتكنولوجية بوصفها المظهر الأساسي لهذه التحولات يضع قضية التوزيع العادل لثمار الذكاء الإنساني في مقدمة المشاكل التي ينبغي الانكباب عليها من اجل عالم يسوده السلام والوفاق والتوازن.

أن يسعى وراء هذا الهدف النبيل مرتبط بشكل وثيق بتغيير العلاقات بين الدول العظمى في اتجاه يوفر على البشرية مخاطر الحروب المدمرة. ويعبئ الثروات المتوفرة لصالح رفاهية الإنسان. وان نزع السلاح وتفكيك المدخرات النووية هو السبيل الوحيد لتدشين عهد جديد يصبح فيه احترام وانعتاق الجنس البشري غاية أساسية لكل تقدم علمي وتكنولوجي.

إن الاهتمام بهذه الأفاق المنشودة لا يمكن أن ينسينا عوائق الحاضر ومظالمه، فالسلام ما يزال معاقا في كثير من مناطق العالم حيث تحرم شعوب بأكملها من حقها في الوجود الحر وفي الحياة المستقلة الكريمة. ويكفي أن نستحضر النضال البطولي لشعب الانتفاضة، من أجل بناء الدولة الفلسطينية المستقلة على ارض فلسطين تاريخا وقانونا، ونضالات شعب جنوب إفريقيا ضد الاستعمار والميز العنصري الذي يعتبر استمراره اهانة للإنسانية جمعاء.

إن تقاطب المنافسة الاقتصادية والتكنولوجية والعلمية يعرض التوازن العالمي لصراعات جديدة حول بسط النفوذ والتحكم، تعزز أنماطا أخرى من الهيمنة والسيطرة، إن التبعية تظل الخط الأكثر تهديدا لمستقبل الشعوب المتطلعة للحرية والانعتاق، بفعل استمرار العلاقات الغير متكافئة بين الجنوب والشمال، الشيء الذي يؤدي إلى استبعاد ثقافات بأكملها عن طريق توسيع نظام الاتصالات الهيمنية، والى تهميش التجارب التنموية الغنية عبر تمركز الرساميل والمعرفة، وضرب الاستقلال السياسي عبر تدخل المؤسسات التمويلية الدولية الخاضعة لنفوذ الرأسمالية العالمية.

لذلك فان المؤتمر الخامس للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وهو يعبر عن قلقه إزاء تعنت القوى المناهضة للسلام وللحقوق الأساسية للشعوب، وانطلاقا من تقديره للنضال العادل والمشروع لقوى السلام والتقدم والديمقراطية.

يؤكد، مساندته اللامشروطة لنضال الشعب الفلسطيني من أجل حقه في إقامة كيانه، ويحيي قيام الدولة الفلسطينية بفضل كفاح الثورة الفلسطينية في الأرض المحتلة وخارجها.

يوجه نداء لكل قوى التحرر في الوطن العربي لمضاعفة جهودها من اجل مناصرة كفاح الشعب الفلسطيني بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني وتدعيم موقعها النضالي في آفاق إيجاد حل عادل وسلمي لقضية الشعب الفلسطيني.

يعتبر أن السبيل الوحيد لتدعيم الحقوق العربية وفتح آفاق جدية أمام قدرات الأمة العربية المادية والبشرية والحضارية لمواجهة تحديات العصر، يمر عبر تصحيح الأوضاع السياسية الداخلية في اتجاه صيانة الحقوق الديمقراطية الفردية والعامة وتجاوز الخلافات القطرية، وإقرار عمل وحدوي يستجيب لتطلعات الجماهير العربية.

وفي هذا يحيي المؤتمر قيام اتحاد المغرب العربي كتعبير عن إرادة سياسية لخلق جو جديد في المنطقة.

وإذ يقدر الاتحاد الاشتراكي بالغ التقدير هذه المبادرة التي طالما ناضلت شعوبنا من اجل تحقيقها منذ معارك التحرير الوطني ليعبر عن قناعته بضرورة بذل كل الجهود لجعل البناء المغاربي اختيارا لا رجعة فيه.

إن المغرب العربي يوجد اليوم في مواجهة التحولات المتسارعة التي تشهدها أوربا وغرب البحر الأبيض المتوسط ولا يمكنه أن يتجاهل مقتضيات إعادة تحديد موقع كل كيان وطني ضمن التوزيع العالمي الجديد للعمل. وفي هذا الصدد فان الاندماج المغاربي هو السبيل الوحيد للانخراط في مسلسل النمو الاقتصادي والتقدم التكنولوجي والعلمي. ولذلك، فان الوحدة المغاربية محكوم عليها بالنجاح، ليس فقط لما قد يحدثه فشل التجربة من خيبة لدى شعوبنا، بل لان تعثرها سيكون بمثابة ضياع فرصة تاريخية لحل مشاكل الحاضر وفتح آفاق المستقبل المشترك.

وان شروط النجاح هذه لرهينة بمدى قدرتنا على امتلاك تصور واضح ووعي دقيق بمقتضيات تجاوز مخلفات الماضي.

وفي هذا الإطار، فان المؤتمر الخامس يؤكد ما يلي:

لا يمكن لمغرب عربي موحد أن يشيد كواقع سياسي يخترق الخصوصيات الوطنية ما لم يعترف لكل كيان وطني بحدود سيادته الترابية والوطنية على النحو المتعامل به في القوانين والأعراف الدولية.

إن جوهر المطالبة الشعبية بتشييد المغرب العربي يكمن بالذات في طموح شعوب المنطقة في خلق مجال حيوي للحياة الديمقراطية، وان الضمان الأساسي لنجاح الإطار الوحدوي واستمراريته لن يتأتى إلا باحترام الحريات العامة وحقوق الإنسان وبناء مؤسسات منتخبة ونزيهة تضمن المشاركة الفعلية للجماهير في الحياة السياسية.

إن انخراط الجماهير بحماس وتعبئة نضالية في بناء المغرب العربي رهين بتطبيق مشترك لنمط تنمية مرتبط بالحاجيات الفعلية للجماهير وخاضع لأهداف العدالة الاجتماعية والتحرر الاقتصادي.

1-    وعلى مستوى قضيتنا الوطنية:

فان المؤتمر الوطني الخامس إذ يعرب عن ارتياحه لبزوغ مرحلة جديدة في منطقتنا يحل فيها الحوار محل النزاع والتوتر المفتعل يؤكد على ضرورة احترام حقوقنا الوطنية التي لا تقبل التنازل أو المساومة وفي هذا الإطار فان إنجاح مسعيا لامين العام للأمم المتحدة وإيصال مسلسل الاستفتاء إلى نهايته يتوقف على الإرادة المغاربية في تجنيب أقطارنا مخاطر التجربة والتشرذم ، كما تتوقف على الإرادة المشتركة بين بلداننا لجعل الأهداف الوحدوية النبيلة فوق كل اعتبار ظرفي، أو حسابات ضيقة.

وان صيانة حقوقنا الوطنية التي استلزمت قيام شعبنا بتضحيات مادية وبشرية ثمينة ما تزال تستدعي تكثيف التعبئة الشعبية لدرء كل المخاطر المحتملة وإشراك الجماهير الشعبية في كل تطورات ملف قضيتنا الوطنية. وان الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية إذ ينحني بإحلال وإكبار أمام أرواح شهداء حركة التحرير والوحدة، ليحيي صمود القوات المسلحة الملكية بقيادة قائدها العام جلالة الملك، ويؤكد من جديد استعداده لمواصلة التعبئة والنضال من أجل صيانة وحدتنا الترابية واستكمال تحرير بلادنا من كل سيطرة استعمارية باسترجاع سبتة ومليلية والجزر الجعفرية.

2-    على مستوى القضايا الاقتصادية والاجتماعية:

إن المؤتمر الوطني الخامس للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بعد تحليله للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية يعتبر أن السياسة الحكومية الطبقية واللاشعبية قد راكمت خلال السنوات الأخيرة إخفاقات واختلالات عميقة في كل مجالات الحياة العامة.

1)    فعلى المستوى الاقتصادي والاجتماعي، فان خضوع السياسة الحكومية لتوجيهات المؤسسات المالية الدولية باسم الدفاع عن برامج للتقويم، يكشف بعد مرور خمس سنوات على أول اتفاق تم بين الدولة المغربية وصندوق النقد الدولي فشلا ذريعا في هذا المجال، ذلك إن المشاكل البنيوية الأساسية للاقتصاد المغربي ما تزال بدون حلول فعلية ودائمة، فالمسؤولون مرتاحون للنتائج الحسابية التي تحجب الاختلالات البنيوية لسياسة مشدودة للاعتبارات المالية المحضة ومديرة ظهرها لكل مشروع تنموي في حين وحتى في المجال المالي نفسه فان المشكل الرئيسي الذي كشفته سنوات الثمانينيات، وهو أساسا العجز في الموارد،لم يجد حلا ناتجا عن المعقول المباشر للإجراءات المتخذة في مجال الجبائيات والادخار. وهكذا فان هذا العجز لم يتم تخليصه إلا نتيجة عائدات الضريبة الغير المباشرة وخاصة بواسطة المحافظة على ثمن استهلاك برميل النفط في 28 دولار بينما لم يتعد ثمنه في الأسواق الدولية خلال هذه الفترة 15 دولارا.

أما فيما يخص تقويم الميزانية، فان السياسة المتبعة لم تستطع حتى الاستفادة من انخفاض معدلات الفائدة في الأسواق الدولية، ولا في تقليص الاستهلاك، ولا في تراجع الاعتمادات المخصصة لمساندة أثمان المواد الأساسية التي ارتفع ثمنها بأكثر من 60 المئة خلال خمس سنوات. ولكل ذلك فإذا حصل هناك نوع من القويم في الميزانية،   فانه راجع بالأساس إلى التجميد الشبه الكامل للاستثمارات، أي الى نبذ كل اختيار تنموي.

اما بالنسبة للتوازنات الخارجية فان الارقام المعلنة من طرف المسؤولين لا تكشف سوى حقيقة واحدة: هي حرصهم على اخفاء الاختلالات التي تمس التجارة الخارجية والاستقلال المالي للبلاد. فعلاوة على المسلسل المستمر لإعادة الجدولة والذي يبلغ سنويا حوالي 1.5 مليار دولار فان تخفيض العملة الوطنية والعجز الهيكلي للجباية المتعلقة بالاستثمارات كل ذلك يشكل علامات ضعف           بنيوي لم تستطع الهياكل الإنتاجية حتى الآن تجاوز مضاعفاتها الخطيرة.

وهكذا، فان التوازنات الخارجية توجد اليوم سجينة منطق المضاربة الذي يفرض متابعة تخفيض العملة الوطنية، مع ما يجره ذلك من ميل إلى هروب الرساميل وتجميد الاستثمار الإنتاجي.

إن وصول الدين الخارجي إلى 22 مليار دولار قد جعل المسألة الاقتصادية والمالية في بلادنا في وضع لم يعد يتطلب مجرد رؤية تكنوقراطية للبحث عن الحلول الممكنة، بل اختيارا سياسيا حاسما. ذلك أن الاختلالات المالية الداخلية والخارجية ترهن اليوم وأكثر من أي وقت مضى استقلال البلاد وتجهض كل حظوظها في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المنشودة.

لقد كان ثمن سياسة التقويم فادحا، وأدته الجماهير الكادحة رغما عنها في حياتها اليومية. ويتجاى ذلك في انخفاض قدرتها الشرائية وفي تفشي البطالة وتراجع الحماية الاجتماعية، وفي الضغط اليومي للفقر والحاجة.

فكيف يمكن الارتياح لنتائج سياسية كان ثمنها الاجتماعي ارتفاع البطالة بنسبة 5 بالمئة سنويا منذ 1983، وتقليص الإنفاق الصحي بنسبة 42 بالمئة وتراجع نفقات التعليم بحوالي 25 بالمئة؟

إن البرامج المفروضة من قبل المؤسسات التمويلية الدولية تتخذ طابعا طبقيا واضحا يؤدي إلى المزيد من تفقير المحرومين والى الإثراء المستمر لطبقة المحظوظين، وهكذا فان الفوارق في مستويات الدخل لم تتوقف عن التباعد شأنها في ذلك شأن مستويات الاستهلاك مفسحة المجال لتكديس الثروات بين أيدي أقلية تسعى إلى اكتساح كل المواقع الاقتصادية والمالية الأساسية بالبلاد.

في هذا الإطار يجب أن يوضح الخطاب الديماغوجي والمشبوه حول الليبرالية.

إن اللبرالية في بلد لا حماية فيه للحقوق الاقتصادية والاجتماعية للجماهير ليست سوى اختيارا لتكريس الرأسمالية الهمجية، ولضرب قوة العمل، ولن تنجح أبدا في إخفاء عمق النقاش حول القطاع العام الخصوصي والذي لا يمكن اختزاله في تصور تقني حول الجوانب المالية المتعلقة بتخفيف العبء عن الخزينة العامة. ففي بلد لا يسمح فيه للتناقضات الاجتماعية بالتعبير عن نفسها بكل حرية فان التمليك الخاص ليس سوى شكل من أشكال استغلال نفوذ السلطة.

إن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الذي يؤكد انه لا مناص من إصلاح عميق للقطاع العمومي، يعتبر إن الوضعية الاقتصادية والمالية لن تعالج إلا ضمن الشروط التالية:

1)    الحفاظ على الدور القيادي للدولة في مجال توجيه السياسة الاقتصادية، وذلك بوضع مخطط يوجه النشاط الإنتاجي لصالح النمو والاستقلال الاقتصاديين.

2)    إعطاء الأولوية المطلقة لحاجيات التنمية الاجتماعية وذلك بتقوية السياسة العمومية في مجالات الصحة والتعليم والشغل.

3)    إقرار عدالة جبائية تأخذ بعين الاعتبار الفوارق الشاسعة بين مستويات الدخل بسن ضريبة على الثروات الكبرى.

4)    تنمية سياسة تجارية خارجية تعتمد على تشجيع المنافسة التكنولوجية وعلى تنويع إمكانيات النشاط الإنتاجي، لمواكبة التحولات المنتظرة من تشكيل السوق الأوروبية الموحدة سنة 1893، وعلى تكثيف المبادلات المغاربية.

إن هذه التوجهات الكبرى تتطلب وضع حد لسياسة تستند إلى ليبرالية سلطوية جائزة تعمل على تحويل النظام السياسي المغربي إلى نظام اوليغاريشيات يتغذى من تفويت الممتلكات العمومية، ويستعمل سلطة الدولة لخدمة مصالحه ضدا على المطامح الشعبية.

إن المؤتمر الخامس يؤكد من جديد إن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية سيقاوم بكل طاقاته وقواه النضالية كل سياسة أو إجراءات متسترة وراء اعتبارات ديماغوجية ومشبوهة، تهدف تحويل الدولة إلى سلطة متعالية لحماية المصالح الفئوية الخاصة.

وفي هذا الإطار فان المؤتمر الخامس يعتبر انه من الضروري تخويل المصالح العمومية والمؤسسات المنتخبة سلطة مراقبة التكتلات الرأسمالية الكبرى التي تتشكل في إطار هذه اللبرالية السلطوية، وتهدد بفضل التسهيلات المعلنة والخفية التي تتمتع بها، دور الدولة نفسها كأداة للضبط الاقتصادي ولحماية الصالح العام.

3-    على المستوى السياسي والمؤسسي

إن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الذي وضع منذ ثلاثين سنة مرت من نضاله، مسالة الديمقراطية والمؤسسات المنتخبة، وقضايا الحريات العامة وحقوق الانسان، وبناء دولة القانون، وضع كل ذلك في صلب برنامجه النضالي ودفع من دماء شهدائه ثمن الصراع الذي خاضه وما يزال ضد التسلط وإلغاء الإرادة الشعبية ليؤكد هذه المناسبة ان اختياره للنضال الديمقراطي هو تعبير عن مطلب شعبي لا تراجع عنه ولا مساومة فيه.

لقد عاشت بلادنا محن الإكراه وتغييب الجماهير الشعبية عن سلطة التقرير والمراقبة، وخسرت من جراء ذلك فرصا تاريخية لا تعوض لتدشين مرحلة البناء الوطني المتخلص من أدران الاستعمار وضغوط التبعية.

وإذا كانت التجربة التي انطلقت سنة 1978 قد فتحت أمام الشعب المغربي نافذة للأمل في غد أفضل، وفي مسار يوجه الحياة العامة نحو الديمقراطية والتحرر.

وإذا كان حزبنا قد تحمل مسؤوليته التاريخية في خوض غمار المعركة الديمقراطية وكان صوت الجماهير المناهضة للتزوير ولإفراغ المؤسسات المنتخبة من محتواها، فان التراكم الذي أفرزته التجربة يكشف أوضاعا سياسية ومؤسسية من ابرز مظاهرها:

1)    على مستوى المؤسسات

إن مصداقية المؤسسات المنتخبة تعرضت لضربة عميقة بفعل ممارسة سياسية سعت إلى إلغاء كل الوظائف الأساسية للمراقبة البرلمانية، وللعمل التشريعي مفرغة بذلك مبدأ فصل السلط من كل محتوى حقيقي فمجلس النواب لا يوجد بشكل حقيقي إلا عندما يكون مسرحا لتصارع المصالح ومجموعات الضغط التي استطاعت التسرب للمؤسسة التشريعية بفعل التوزيع وتحويل الإرادة الشعبية.

ومن جهة أخرى فان الجماعات المحلية التي يفترض فيها أن تكون الأساس الصلب للبناء الديمقراطي وللمشاركة الشعبية، وقد حوصرت باستمرار وخصوصا بعد إفراغ الجماعات لسنة 1976 من توجهاته الايجابية، وإطلاق يد السلطة الإدارية لمصادرة اختصاصات المجالس، واختزالها في مجرد هيئات تابعة للجهاز الإداري.

وهو ما تسبب في عرقلة إمكانية إعادة تحديد العلاقة بين الدولة والمجتمع في اتجاه دمقرطة الحياة العامة.

2)    على المستوى السياسي

إن غياب الجهاز الحكومي، وعقم المؤسسات المنتخبة قد مكنا أجهزة الإكراه من الاستحواذ على السلطة. واستعمالها بمنطق الضبط والمراقبة والوصاية متذرعة بالاعتبارات الأمنية، التي ليست سوى غطاء لحماية المصالح الخاصة ضد الحقوق المشروعة للجماهير الكادحة.

وهكذا وباسم هذه الاعتبارات، تدارس الحقوق الأساسية للفئات الاجتماعية المحرومة كحق الإضراب والاحتجاج والتعبير عن الرأي المخالف بينما تسخر كل أجهزة الدولة وإمكانياتها لمناصرة المستغلين.

فقد تحولت سلطة الدولة تدريجيا إلى اعتماد تعامل تمييزي بين المواطنين يتم بمقتضاه ضرب حقوق المواطنة التي لم يعد لها أي واقع فعلي في الحياة اليومية للجماهير.

وان مقاومة هذا الاتجاه الخطير التي عبرت عنها نضالات الجماهير الشعبية وفي مقدمتها الطبقة العاملة المغربية بقيادة منظمتها العتيدة الكونفدرالية الديمقراطية للشغل وقواعدها في مختلف قطاعات الحياة الاقتصادية لهي أحسن تعبير عن رفض شعبنا للاتجاه الذي اختارته أجهزة الإكراه للسطو على مرافق الحياة العامة، ولخنق الحريات الفردية والجماعية ولتهميش القانون.

إن المؤتمر الوطني الخامس إذ يؤكد أن تغيير هذا الواقع يقتضي مضاعفة التعبئة الجماهيرية لتعميق الوعي الديمقراطي وترقية النضال من أجل إرساء قواعد الديمقراطية الحقيقية وصيانة الحقوق الأساسية للجماهير الشعبية.

وعلى هذا الأساس فان اختيارنا الديمقراطي هو الإطار الذي يحدد رفضنا لكل أساليب تشويه وتزييف إرادة الشعب وخنق تطلع لبناء مغرب ديمقراطي متحرر من كل أشكال التبعية والاستلاب، تسوده العدالة الاجتماعية واحترام الحريات العامة والفردية.

وانطلاقا من شعورنا بخطورة التدهور الذي يمس الأوضاع الاجتماعية للجماهير ، كما يمس كل مظاهر الحياة العامة واعتبارا لما يستلزمه هذا الوضع من معالجة الدولة تفتح آفاق جديدة للبناء الديمقراطي وتضح حدا لما أفرزته التجربة الحالية من سلبيات أصبحت العائق الأساسي أمام توفير الحلول السياسية لمشاكل بنيوية لم تعد قابلة للإرجاء والارتجال.

فان المؤتمر الوطني الخامس للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية يعلن أن وضع حد لمسلسل إجهاض البناء الديمقراطي يتطلب:

1)    تعديل الدستور في اتجاه يضمن نظاما لفصل السلط يمكن كل سلطة من صلاحيات ومسؤوليات واضحة ويقوي المراقبة البرلمانية، ويحمي استقلال القضاء.

2)    مراجعة القوانين المتعلقة بالحريات العامة وفي مقدمتها ظهير 10 أبريل 1973، وإلغاء القوانين الموجهة ضد حرية التعبير والرأي والتجمع الموروثة عن العهد الاستعماري وكل الترتيبات التنظيمية المبنية عليها والتي تتعارض مع الحقوق الدستورية كحق الإضراب.

3)    مراجعة القوانين الانتخابية وخصوصا ما يتعلق منها بسن التصويت والترشيح، وسير العمليات الانتخابية.

4)    مراجعة الرتيبات والقوانين المتعلقة بصلاحيات السلطة الإدارية التي تفرغ ظهير 30 شتنبر 1976 من المكتسبات المتعلقة بتوطيد الديمقراطية المحلية. وخصوصا ظهير 1977 المنظم لاختصاصات “العمال”.

5)    يطالب المؤتمر بعقلنة التنظيم الترابي على أساس جعل الجماعات المحلية والأقاليم والجهات تكتسب مقومات التواجد الفعلي وتمتلك أسس الإسهام في متطلبات التنمية المحلية والجهوية والوطنية، كما يطالب المؤتمر بالعدول عن كل توجيه فوقي يؤدي إلى تفتيت لأسس الجماعات المحلية.

كما يعلن المؤتمر أن التجربة الديمقراطية لا يمكن أن تتلاءم مع جو سياسي عام مطبوع بتشكك واسع ومتعاظم وسط الجماهير حول مدى توفر الإرادة السياسية الصادقة لضمان حياد الأجهزة الإدارية في كل عملية انتخابية مقبلة وذلك في ضوء ما خافته ممارسات التزوير والتدخل السافر لتشويه حرمة الاقتراع العام وسلامته في الماضي، وما يتم به سلوك هذه الأجهزة من تطاول على القانون.

إن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الذي قدم تضحيات جسيمة في سبيل الحرية والبناء الديمقراطي يضع الحاكمين أمام مسؤؤلياتهم إزاء الأوضاع الراهنة والأفاق المستقبلية ويوجه نداء للقوى الحية في البلاد، وكل المواطنين الغيورين على مصير وطنهم للعمل الموحد من أجل:

1)    خلق المناخ السياسي السليم لكل عمل فعال جدي وبناء يتوخى تقوية التعبئة الجماهيرية لتدعيم النضال الديمقراطي.

2)    النضال لتصحيح التجربة الديمقراطية ولفرض نزاهة الاقتراع ومقاومة أساليب الغش والتلاعب بالإرادة الشعبية.

3)    الدفاع عن الحقوق الأساسية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للجماهير الشعبية ومقاومة كل سياسة تستهدف تسخير الثورة الوطنية للمصالح الخاصة.

ويهيب المؤتمر الوطني الخامس بجميع المناضلين الاتحاديين لتدعيم العمل الوحدوي الوطني والتقدمي القاعدي للدفاع عن المطالب الملموسة للجماهير الشعبية ولتدعيم النضال من اجل احترام حقوق الإنسان وصيانة الحريات العامة.

وفي هذا الصدد فان المؤتمر الوطني الخامس يؤكد ان استمرار وجود معتقلين سياسيين في السجون ومغتربين سياسيين في المهجر حالة تضرب في عمق مصداقية التجربة الديمقراطية. وعودة المغتربين مطلب لا يمكن الاستمرار في تجاهله.

لذلك فان المؤتمر الوطني الخامس يطالب بإصدار عفو شامل على كل المعتقلين السياسيين والمغتربين وبإرجاع كافة المطرودين والموقوفين إلى عملهم. ويعتبر تحقيق هذا المطلب الشعبي خطوة دالة على مدى توفر إرادة سياسية لخلق مناخ وطني جديد.

 

عاش نضال الاتحاد الاشتراكي

للقوات الشعبية من أجل التحرر والديمقراطية والاشتراكية

 

وحرر بالرباط في 2/4/1989

تعليقات الزوار ( 0 )

مواضيع ذات صلة

شريط وثائقي يضم مسيرة حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية خلال ستين سنة

البيان العام للمؤتمر العاشر للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية – 2017

المؤتمر الوطني العاشر للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ببوزنيقة 2017: التقرير الأدبي

مشروع المقرر التوجيهي 1: اللجنة التحضيرية للمؤتمر الوطني العاشر تنجز 14 وثيقة وتقدم 8 عروض وتنظم يومين دراسيين