ليس بالصدفة أن نتوقف اليوم، ونحن عائدون من زيارة لإقليم زاكورة في جولة استطلاعية، -أخذنا فيها الطريق الوطنية رقم تسعة، داخل الإقليم، والرابطة بين زاكورة ومحاميد الغزلان- عند الإشارة الدالة والهامة، التي جاءت في مقدمة الخطاب الملكي، الذي ألقاه جلالة الملك محمد السادس في 6 نوفمبر 2017 ، احتفالا بالذكرى 42 للمسيرة الخضراء.
وهي الدلالة، التي تشير إلى خطاب محاميد الغزلان التاريخي، الذي ألقاه المغفور له محمد الخامس بعرباوة يوم 16 فبراير 1958 -قبل أيام من زيارته لربوع ورزازات وزاكورة- ، جاء فيه «وإن مجيئنا الرمزي إلى هذا المكان، ليأذن بأنه لم يبق بعده شمال وجنوب إلا في الاصطلاح الجغرافي العادي، وسيكون هناك فقط المغرب الموحد». وهو خطاب الأمس الذي استحضره الملك الحفيد، تجسيدا للروابط والقناعات الراسخة في الثوابت الوطنية، وترسيخا للقناعات والمواقف والمشترك القوي بين أبناء الشعب المغربي في البناء، بالتوجه نحو رسم أسوار ثمينة بعامل التنمية والوحدة.
هو خطاب استمعت إلى تفاصيله، وأنا أقف عن قرب، وعلى الأرض المنتمية جغرافيا إلى الجنوب الشرقي ، تلك التي التفتت إليها القنوات الأجنبية، وبعد مدبري الرسائل المبطنة في مواقع التواصل الاجتماعية ،والمواقع الإخبارية المهووسة بالسبق الصحفي، دون البحث في الخبر نفسه، فقط عندما سمعت أن هناك ساكنة احتجت على ندرة الماء، وأن عطشا سيعنون بالعناوين الرنانة، والكبيرة جدا على الحدث نفسه، وهي «الثورة» التي أصبح محبو تكرارها يلوكونها من وراء أغطيتهم وعلى سريرهم، في شاشة الثقب، الذي أتاح لهم قول أي شيء، وحول أي شيء، بصناعة حقائق تمطط الحدث نفسه، لتحط رحاله بالأفق الافتراضي المنشود في مخيلة مسلوبة، إلى قمة الانتشاء بجسد يهتز فوق سريره أو كرسيه أو على الأرض إن شئتم، لينقل في آخر المطاف حقيقة واحدة، أن العطش أمام الشاشات المثبتة على الأرجل ، وفوق السرير، غير العطش الممتد من زاكورة إلى محاميد الغزلان، والذي لا يحتاج إلى كل هذا الاهتزاز الافتراضي، ولا يحتاج إلى مزايدات كما قال لنا أبناء المنطقة، بل هو عطش يعود إلى سوء تدبير في سياسة مائية لا تتعلق بإقليم زاكورة بل بالمغرب ككل في أفق 2030.
أبدأ إطلالتي هذا الأسبوع بهذه التوطئة ، والتي سأواصل ما ترتب عنها من قناعات باستطلاع، سننشر تفاصيله على صفحات جريدتنا ، من أجل قول الحقيقة كل الحقيقة، على لسان الساكنة والمنتخبين وكافة المعنيين في المنطقة ، ولنقول لكل هؤلاء المستعملين لمعاناة شعبنا، أن إقليم زاكورة يقول لكم لسنا محتاجين إلى «الجذبة ، والرهبة ، والرغبة في أكل الثوم بأفواهنا ، بل نحن محتاجون إلى جعل المنطقة في مقدمة انشغالات الحراك التنموي في النموذج الجديد، الذي تطالب به أعلى سلطة في بلادنا».
وللمهتزين فوق كراسيهم أو أسرتهم، أو المكلفين بكتابة التقارير من مكاتبهم نحو المجهول أو المعلوم ، نقول لهم إن إقليم زاكورة يتواجد في منطقة شبه صحراوية، هي منطقة الواحات، التي تعاني من ضغط في مواردها الطبيعية والمائية.وقد ازداد هذا الضغط بعوامل مناخية كان من المفروض التهيؤ لانعكاساتها السلبية، بقراءة متفحصة للسياسة المائية في بلادنا، تلك التي أضاعتها حكومة بنكيران السابقة، ولم تسترجع ملامحها الكبرى الحكومة الحالية،لأن واضعي المخطط لا ينتمون إلى «الدائرة السياسية المغلقة» انطلاقا من تفكير حزبي ضيق، أضاع على بلادنا سبع سنوات من البداية في إيصال الماء إلى حقول العطشى، مما يضعنا اليوم أمام إكراه كبير، وما لم نتداركه في الشهور القليلة المقبلة، فسوف تعاني مدن كبرى كمراكش والدار البيضاء من ندرة ، فما بالك بإقليم فقير معزول في الجنوب الشرقي، الذي يبلغ عمر تأسيسه 18 سنة، ومتضرر إداريا من سياسة إقليمية غير واضحة ، ومن تقطيع ترابي ظالم.
ولنقل للمسؤولين عن كل اختلالاتنا، في كافة المحطات التدبيرية ، أن زاكورة اليوم، تحتاج إلى مشروع متكامل، يعني إعادة النظر في موقعها الجهوي، كشعلة سياحية وثقافية وكبيئة واعدة بالأفضل، وكموارد بشرية منتجة وواعية بوطنيتها الممتدة في الأرض والقضية والتاريخ، وحريصة على تدبير أحلام شبانها وشاباتها في الكرامة والعدالة الاجتماعية، التي لا تنفصل عن عدالة مجالية ومناخية ، هي موارد بشرية تحمل قناعات «التمغربيت» الحقيقية بالثوابت، وبالوعي بطرق الإصلاح ومحاربة الفساد، مسطرة أمامها دستور المملكة المتوجه اليوم إلى جهوية موسعة، في إطار وحدة وتضامن، يضع في مقدمته خصوصية كل جهة، وقدرتها على الفعل والتفاعل في مغرب ينبغي أن يكون.