تميزت السنة التشريعية الأولى من الولاية الحالية بأنها شكلت إحدى أزمنة انخراط المؤسسة البرلمانية في الإصلاح الذي يعد دستور 2011 قاعدته الصلبة، لما تضمنه من قواعد ومبادئ أحدثت تحولات كبرى على المؤسسات الدستورية واختصاصاتها وأدوارها، وما أورده من حقوق وضمانات حمايتها…
الدورة الثانية التي اختتمت قبل أسبوع كانت بمثابة ورش عمل فيه البرلمان بمجلسيه من جهة على تسريع وتيرة الإصلاح، وثانيا العمل على تجويد المبادرات التشريعية . وقد أبرز رئيس مجلس النواب في كلمته الختامية وفي الندوة الصحفية التي عقدها عقب ذلك، ما حققته الدورة من إيجابيات ومن خطوات لتطوير الأداء البرلماني.
ولأن آخر جلسات الدورة تزامنت مع الخطاب الملكي بمناسبة عيد العرش، فقد كانت مناسبة اختتامها فرصة للتأكيد على أهمية ترصيد المكاسب الديمقراطية وتفعيل الدستور، خاصة في ما يتعلق بربط المسؤولية بالمحاسبة، محاسبة الأفراد والمؤسسات، والدعوة إلى «الانخراط في أفق جديد من ممارسة المسؤولية بضمير صاح، وبوعي وطني يقظ، وبروح تطوعية وعلى أساس التفاعل الإيجابي بما يرقى إلى مستوى الانتظارات والتوقعات».
إن أبرز تضاريس الدورة، بالإضافة إلى ورش الإصلاحات وترسيخها والمصادقة على البرنامج الحكومي وعلى قانون المالية، كان هناك توطيد البناء المؤسساتي والاستجابة لانتظارات المواطنات والمواطنين في مجالات التشريع ومراقبة العمل الحكومي وتقييم السياسات العمومية وتمثيل المواطنين والتواصل معهم وجعل المؤسسة أقرب إليهم.
في مجال التشريع كانت حصيلة الإنتاج هامة بالنظر إلى الزمن الذي استغرقته مناقشة القانون المالي، إذ صادق مجلس النواب على49 مشروع قانون ومشروع قانون تنظيمي واحد يتعلق بتحديد شروط وإجراءات الدفع بعدم دستورية قانون ما، أي أنه تمت المصادقة على نسبة 71% من مشاريع النصوص المحالة على المجلس والبالغة  71 مشروعا منذ بداية السنة التشريعية. وهي نصوص غطت حقوقا وقطاعات وأنشطة وخدمات مختلفة من قبيل القضاء وتعزيز استقلاليته وصيانة حقوق الإنسان وتكريس المناصفة ومكافحة التمييز وإحاطة حق الملكية بمزيد من الضمانات القانونية وتوفير الإطار القانوني لتطوير الاقتصاد الرقمي وتوحيد الإطار المؤسساتي لتشجيع التصدير وجلب الاستثمارات الأجنبية وترصيد وتكريس الحقوق الاجتماعية والتكريس الدستوري لدور ومكانة الشباب والجمعيات في المجتمع.
ولأن المؤسسة التشريعية أصبحت اليوم ركنا رئيسيا في العلاقات الدولية فقد همت نسبة 71 %من مشاريع النصوص المصادق عليها، الموافقة على اتفاقيات ثنائية ومتعددة الأطراف، منها اتفاقيات خاصة مع بلدان إفريقية شقيقة ومع الاتحاد الإفريقي، وهي اتفاقيات من شأن تنفيذها المساهمة في تنويع وتعزيز علاقاتنا ومبادلاتنا الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والخدماتية والروحية مع هذه البلدان، وتيسير الاستثمارات المغربية فيها… وفي هذه الواجهة لابد من الإشارة إلى تشكيل المجلس لمجموعات الصداقة البرلمانية مع 140 برلمانا وطنيا، لما لذلك من أهمية في توطيد العلاقات مع البلدان التي تمثلها وفي تعزيز الثقة معها، كما تم تشكيل 15شعبة وطنية في المنظمات البرلمانية متعددة الأطراف، بالإضافة إلى اللجنة البرلمانية المشتركة بين البرلمان المغربي والبرلمان الأوروبي.
وبجانب هذا المجهود التشريعي فإن المجلس مطالب اليوم أكثر من أي وقت مضى بتجسيد مفهوم برلمان القرب على مستوى التشريع، و”البرلمان القريب تشريعيا من المواطنين ينبغي أن يتجاوب، على نحو جدلي، كما أبرز رئيس المجلس، مع الظواهر والقضايا والحاجيات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وبرلمان القرب ينبغي أن يتتبع ويراقب تنفيذ القوانين خصوصا من خلال مراقبة إصدار القوانين وبالأساس إصدار مراسيمها التطبيقية”.
ومن تضاريس الدورة هناك مراقبة العمل الحكومي حيث بلغ عدد الأسئلة 5357، منها  3426 سؤالا شفويا و1931  سؤالا كتابيا. ولأن المجلس ليس هو الجلسات العامة بل إن قاعدته وصلب اشتغاله هو اللجن، فقد عقدت اللجان النيابية الدائمة 149 اجتماعا استغرقت 420 ساعة أي بمعدل اشتغال 52 يوما كاملا إذا احتسبنا 8 ساعات عمل في اليوم، و بمعدل حضور يتجاوز 70 في المئة.
إنها إذن دورة تشريعية بمستوى الانتظارات، دورة تدشن لدينامية ولاية تشريعية ستعزز، دون شك، مسارات الإصلاح بالمغرب وتعزز الترسانة القانونية التي ترسخ دولة الحق والقانون.