فواجعُ عديدةٌ خلفتها حوادث السير ببلادنا،سواء بالمناطق الحضرية أو القروية منذ بداية السنة الجارية في شهرها الأول: قتلى معدودون أو بالجملة، ومصابون كثرٌ بإصابات متفاوتة الخطورة … أجساد تتناثر أشلاؤها أوتتفحم بقلب حافلة.. وتلاميذ تستحيل خرجاتهم مآتم…
نضع أيدينا على قلوبنا.. وما نحاول أن نضمد جراح ما سببته هذه الحادثة المروعة أو تلك ، حتى تباغتنا أخرى لتغرِزحزنا وأسىً في أوساط الناس من جديد . وتستقبل المقابر جنازات، والمستشفيات ضحايا، وتتسع أعداد المعطوبين جسديا ونفسيا، وتتنامى حالات الترمل واليتم ، ومن شأن ذلك طبعا أن يراكم حالات اجتماعية تغرق في مشاكل شتى.
إن المغرب يفقد سنويا ما يناهز 4000 من أبنائه في حوادث السير في إصابات مباشرة مميتة ، أما الجروح الخطيرة فحوالي 12 ألفا فيما الطفيفة، تتعدى أحيانا المئة ألف.
ولاتحصد الظاهرة الأرواح فحسب، وهي تكلفة إنسانية مرتفعة جدا ولن تعوض، لكن تترتب عنها أيضا تبعات اقتصادية وخيمة ، إذ فاتورتها تتجاوز 12 مليار درهم سنويا، وهو ما يمثل أكثر من 2.5 من الناتج الإجمالي المحلي.
ومع أن حالة الطرق، شهدت تطورا ملحوظا، بظهور مدونة سير مثقلة بأنواع الردع والزجر، وكذا تأهب واستعداد عناصرالأمن والدرك بشبكة الطرقات ،إلا أن حوادث السير ما برِحت طرقها لا تعرف الحل: فالأرواح، ما فتئت تُزهق ، وأجساد ما انفكت تُعطب،ودماء تسيح وتُهرق،وهو واقع مرير،يجعل المغرب-للأسف الشديد- ضمن لائحة الأقطارالعربية الأولى التي تمتزج فيها الأجساد بالإسفلت أوتتفحم وسط نيران حافلات تحترق أو تنزلق بمنحدرات أو تصطدم بمركبات …
إن حجم الخسائر البشرية والاقتصادية لحوادث السير، لدليل قاطع على سياسة فاشلة ، وإجراءات محدودة وتشريعات غير واعدة، وآليات ومؤسسات قاصرة .
وغير خاف أن لجنة وطنية للوقاية من حوادث السير قد أُحدثت،وهي تستفيد من مئات الملايين من الدراهم، لكن أنشطتها التحسيسية والتكوينية لا أثر تربويا لها ،اللهم إلا ما كان من أعمالها المختزلة في توزيع صامت للمطويات ، وتبذير زمنها في ملتقيات طرق المدن، ونصْب لوحات إشهار وملصقات مناسباتية ، وعقد ندوات استعراضية دون أن تستفيد من التجارب المميزة بالعالم . إنها-بكلمة واحدة- لجنة لاترسّخ تربية طرقية، ولا أبدا ثقافة سير لدى السائقين والمارّة على حد سواء.
وحتى تنفيذ القانون، يستلزم نوعا من الصرامة، ابتداء من امتحانات رخص السياقة، مرورا باختبار سائقي النقل الجماعي والمراقبة التقنية الميكانيكية ،انتهاء بتسجيل المخالفات …كل هذه السلسة وغيرها تستدعي اليوم وأكثر من أي وقت مضى، إجراءات ناجعة، من أجل احترامها، احترام معاييرها ومراقبتها وتنفيذها …
إن المغرب مطالبٌ اليومَ بوقف حرب الطرق المدمّرة، وجعل حد نهائي لحوادث السير الآخذة في التصاعد ، ولايتأتى ذلك سوى بسَنّ استراتيجية شاملة وتعبئة وطنية حمايةً للأرواح ودرءا للتبعات الاجتماعية والاقتصادية المترتبة عن إزهاقها.

تعليقات الزوار ( 0 )

مواضيع ذات صلة

الكاتب الأول في المجلس الجهوي الموسع بجهة مراكش آسفي .. حصيلة الحكومة: تحقيق أرقام قياسية خطيرة في البطالة والهشاشة 

الكاتب الأول الأستاذ إدريس لشكر يترأس المجلس الجهوي الموسع بجهة مراكش -أسفي

انتخاب الاخ سعيد بعزيز رئيسا للجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان

انعقاد المؤتمر الثامن لإقليم الرباط