جماهري: الوحدة الأساسية لقياس التموقع في العالم هي «الوطن» وبالتالي فإن الخطاب جاء مشحونا بالقيم المرتبطة بالوطنية

في لقاء خاص حول الخطاب الملكي، الذي ألقاه جلالة الملك محمد السادس،أشرف عليه جامع كلحسن، مقدم برنامج «مباشرة معكم» على القناة الثانية، حضره عبد الحميد جماهري، كضيف على البرنامج الخاص،رفقة كل من عبد العزيز قراقي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط، والبروفيسور شكيب عبد الفتاح عبر (السكايب) أخصائي الأمراض المعدية بمستشفى ابن رشد بالدارالبيضاء، بغرض مناقشة ما جاء به خطاب جلالة الملك من مضامين في الذكرى 67 لثورة الملك والشعب، والتي تصادفت بدورها مع ما يعيشه المغرب في حربه ضد فيروس كوفيد19.
ابتدأ جامع كلحسن اللقاء، بسؤال الحاضرين وأولهم عبدالحميد جماهري ثم عبد العزيز قراقي، مستفسرا عن إمكانية وصف الخطاب الملكي، بالخطاب المبني على الصراحة، وقول الحقيقة بالرغم من صعوبتها، علاوة على دق ناقوس الخطر. ليجيب الأستاذ قراقي، بأن هذه الملاحظة صحيحة و في محلها، وأن في كثير من اللحظات الحاسمة يتجه الملك لمخاطبة شعبه بصراحة كاملة، تنقل الوقائع التي يعيشها المجتمع خاصة في هذه الظرفية بالشكل المفروض نقلها به، إلا انه في نفس الوقت تنبيه لمجموعة من التمثلات، تبنتها فئات من الشعب وأدت إلى استفحال الوضع بالشكل الذي نعيشه اليوم. يمكننا القول إن الخطاب الملكي هو خطاب الصراحة، صراحة في شكل أبوي يعكس علاقة جلالة الملك بالمجتمع والشعب المغربي.
انتقلت الكلمة إلى عبد الحميد جماهري، الذي أكد في تقديره بأن الخطاب الملكي، يمكن تلخيصه في جملة، وهي ان هذا التواصل يعبر عن الصدمة، إذ يريد أن يقول بأن الحقيقة قد تصبح سامة، وأنني بدوري لم اتعود على اخفاء الحقيقة عنكم، أي أن حقيقة الغد قد تصبح سامة، وبالتالي قد يتحول الوباء إلى وضع قد يخرج فيه عن السيطرة. علاوة على هذا، نرى في الخطاب الملكي، احالة على خطاب العرش و التعريف بالقسوة، حيث سبق لجلالة الملك ان تحدث عن قساوة المرحلة القادمة، معرفا بما سنعيشه في المستقبل القريب، سواء ما يرتبط بالمعطيات و الارقام (حول الاصابات، الوفايات في جسم الصحي)، دور الدولة في تفادي تفاقم نتائج الجائحة، والحديث عن الجانب البيداغوجي وتشجييعه على الثقة في ما تقدمه مؤسسات الدولة من معطيات، و أن يرد على ما سماه الاستاذ القراقي «التمثلات» التي للأسف قد انتصرت على جزء من الرأي العام المغربي، الذي وجد نفسه في وضعية نكران الواقع الوبائي، بدلا من الاعتراف به وهذا سيزيد من خطورة الجائحة على عدة مستويات.
توجه جامع كلحسن، الى البروفيسور شكيب عبد الفتاح، حيث سأله عن العبارات المتداولة لوصف الوضع الوبائي في البلد، من بينها «الوضع مؤسف ولا يبعث عن التفاؤل» و«لم نكسب بعد المعركة» و«فترة صعبة وغير مسبوقة»، أي باختصار كما اتفق الضيوف الحاضرون «ما بقا عندنا ما نخبيو». ليرد البروفيسور شكيب، بأن خطاب جلالة الملك هو بمثابة خارطة الطريق، بغرض محاربة المرض وربحالمعركة في الشوط الثاني من الوباء.

* تحول كلحسن الى عبد الحميد جماهري، متحدثا عن مضمون الربط بين ذكرى 20 غشت، التي أدت الى مواجهة الوطن لتحدي وتهديد مهم يمس الأسرة الملكية والراحل محمد الخامس، وأن ما نعيشه اليوم يشابه تحدي الماضي في مدى خطورته وتهديده لنا، ومن هنا ربط واستحضار عنصر التعبئة الوطنية، الوحيد الذي نفعنا في الفترة الحالية كما استفدنا منه في تلك الفترة.

** رد جماهري، بأن الربط ليس بالمناسبتي فقط، بل يحضر في الخطاب في ثلاثة مستويات، اي في هندسة الخطاب (المقدمة والوسط وتعريف الخطاب نفسه). فبالنسبة للمقدمة، هناك إحالة واضحة على قيم الوفاء والتضحية والمواطنة والوطنية، قيم أساسية ستقودنا الى تنبيه الملك حول بعض السلوكات غير الوطنية، ومنه على الرغم من اختلاف العدو الا أن السلوك تجاهه لا يجب أن يختلف، وأن السلوكات غير الوطنية تشبه التعاون قديما مع الاستعمار، تشبه ما يفعله البعض من تستر او اخفاء للعدو (المرض) داخل جسده، دونا عن منزله او خيمته او اي مكان آخر، وعليه فان اي سلوك يساهم في انتشار العدو أو يسهل من التعامل معه سيضع المتعامل في موضع الخيانة، ولو ان جلالة الملك لم يبدها بهذا الشكل، الا اننا نستشعرها من خلال حديثه.
هناك ايضا، الدعوة مرة أخرى إلى استنهاض القوى الوطنية، أو ما يعرف بالتعبئة الاجتماعية، على اساس ان المر فيه تحصين للوطن، وأيضا تأمين لصحة المواطنين، وذلك لتمسكنا بالنظام التاريخاني الخاص بنا، المستند إلى استجماع الماضي والحاضر والمستقبل، وتحويلها لقوة دفع ثلاثية لمواجهة التحديات كما فعلنا سابقا، بيد أن ما نعتبره الماضي (سنة 1953) كان المستقبل بالنسبة لأجدادنا، وبالتالي نرى في الخطاب دعوة ضمنية، إلى الثقة المتبادلة والتضحية المتبادلة، وأن إعادة التعريف بالقيم المتبادلة يجعل المغاربة يثقون في المؤسسات الاعلامية الوطنية، امر شهدناه خلال فترة الحجر الصحي، وسعي المواطنين لمحاربة الاخبار الزائفة، ومتابعة المصادر الموثوقة وطنيا وما وفرته من اخبار ومعلومات صحيحة، وهو مجهود يجب استحضاره دائما.

* انتقل كلحسن إلى الأستاذ قراقي، طرحا السؤال التالي: هل ترى في ما ذكر مسبقا اشارة تحذيرية بأنه خطر يتهددنا كما فعل قبل 67 سنة مضت؟.

** يجيب القراقي، صحيح، إلا أنه لا يمكن مقارنة خصمنا قبل 67 سنة بالخصم الحالي، فعلى الاقل كان خصمنا معروفا يهدد الحرية التي لم يقبل الناس بتهديدها، غير ان اليوم الخطر مخفي و لا يظهر، وبالتالي فإن خطورته اشد و اكبر مما واجهناه مسبقا في 1953، وأن التحديات اكبر بكثير من السابق، بيد ان المصير مهدد اليوم بوجود الانسان و بحياته، ومنه فإن خطاب جلالة الملك يشير لكل من لا يحترم الإجرائات الصحية، باعتباره مساهما في قتل الناس و تهديد حياتهم، فشتان بين من يهدد الحريات و من يهدد حياة الناس في وجودهم، وبالتالي فإن الحاجة إلى القيم التي عشنا بها في 1953 أكثر من السابق، قيم حكمت سلوكاتنا وتصرفاتنا طيلة مدة الحجر الصحي لتمكن من تحقيق انتصارات مهمة على الوباء، وجعلت من التجربة المغربية مثالا يصرب به المثل عالميا في النجاح في حصر الوباء، غير أننا اليوم وصلنا إلى وضع لن أقول عنه مأساوي وإنما محزن، يلاحظ فيه التزايد اليومي في حالات الوفاة بشكل غير متصور، نرى فيه انهيار قريب للطاقة التحملية للمستشفيات، التي باتت غير قادرة على التحمل أكثر.

* توجه كلحسن إلى البروفيسور عبد الفتاح شكيب، لسؤاله عن ماذا تغير لننتقل من الوضعية الأولى (قدرتنا على استيعاب والتحكم في الجائحة)، إلى مرحلة جد مقلقة؟

** يجيب البروفيسورشكيب، لقد لاحظنا في المقام الأول تغيرا في بعض النواحي الطبية، و التي أشار إليها جلالة الملك في خطابه، من بينها الخلط الواقع بين الخروج من الحجر الصحي و انتهاء الوباء، وهذا خلط خطير اذ لا يعني الخروج من الحجر الصحي انتهاء الوباء، وأن الخروج من الحجر الصحي، يفسر الآن الارتفاع في نسب حالات الاصابة بالفيروس.
ثانيا، نلاحظ ظهور مشكل في التمثل او المعرقة بخصوص الفيروس أو المرض، أمر سببه استهزاء بعض القنوات الأجنبية بعقول المغاربة، وتكوين فكرة مغالطة عن الفيروس لديهم وعن خطورته وعن انتشاره، وتشابهه بحسبها مع الزكام وأعراضه، الا أنه يختلف كثيرا معه لاسيما في مدى انتشاره الذي يتجاوز الزكام ب10 اضعاف، وان الاصابة به تضعف الجهاز التنفسي و الرئة على الخصوص، ما يستدعي الاستعانة بآلات التنفس الاصطناعي، ما يحرم المريض من الاستقلال الذاتي و فقدان القدرة على التنفس طبيعيا، وهنا تكمن خطورة الفيروس، لاستهدافه الاصحاء (بدون أعراض) او المرضى مسبقا (الحالات الحرجة).

في تعقيب له على مجرى الحديث، تدخل جماهري بتضمين إلى ما قاله الضيفان معا. أولا، في إحالة على الخطاب الملكي بغض النظر عن الفارقين الزمني والرمزي ما بين 1953 إلى حدود اليوم، وأن جوهر الأشياء يكمن في محاولة إيصال الملك لفكرة واحدة، مفادها أن هذه ليست معركة العرش لوحده، وهي ليست معركة القوى السياسية المنظمة أو المؤسسات أوالأحزاب السياسية فقط، بل هي معركة المواطنين كما شهدناه في تلك الفترة، و أنه لا يمكن للمواطنين أن يفوضوها للأحزاب السياسية أو للعرش بالرغم من مركزيته وقيادته وريادته، فهذه مهمة الجميع و ليست حكرا على جهة وحيدة دون الأخرى. ثانيا، بأن التضامن لا يميز بين غني ولا فقير، فالجميع معني به وعليهم تطبيقه. ثالثا، ما لاحظه الجميع من تضاعف لأرقام الإصابات و الوفيات، خاصة لدى الجبهة الأولى الدفاعية في البلاد (القطاع الصحي) ب3 أضعاف، والإصابات من 1 إلى 10 إصابات، ما جعلنا نخلص إلى أن الحجر الصحي الذي وضعناه خلف ظهورنا، قد يتحول إلى حاجة في القادم من الأيام. رابعا، هل ستستمر قدرة الدولة على تحمل التبعات الاقتصادية والاجتماعية، إلى حدود الأول من يناير 2021؟ تساؤل أجاب عنه الملك بالنفي، رافضا وضع الدولة كغنيمة حرب للجائحة الوبائية، وأنك قادر على السيطرة عليها باسم الاقتصاد والمردودية الاجتماعية، بل أن لنا لحظة معينة سيتوجب علينا أن نتحمل فيها بشكل فردي مسؤولياتنا المؤسساتية والجماعية او الفردية.

* توجه كلحسن إلى قراقي، بالتساؤل عن ما يلاحظ من سلوكيات يتبناها المجتمع، من قبيل عدم التصديق بوجود الفيروس، أو بأن انتهاء الحجر الصحي يعني نهاية الفيروس، وما يرتبط بسلوك التراخي والتهاون. هل تفسر هذه السلوكات بطول مدة الجائحة (من أسابيع إلى بضعة شهور)، أو بخفوت المجهود التحسيسي والتواصلي رغم صعوبة الظرفية؟

** لابد من القول وبكل صراحة، بأن المجهود الإعلامي والتحسيسي في ما يخض الجائحة قد تراجع بشكل كبير، وبالتالي لم يبق مصاحبا للمواطن، هذا ان استثنينا البلاغ الصحفي لوزارة الصحة اليومي، وبالتالي لم يعد يدرك الكثير من المواطنين خطورة ما نعيشه وصعوبة الفترة.
من جهة اخرى، رأينا تراجعا في الدور الأساسي والمهم للمجتمع المدني بهذا الشأن، وكأننا انتهينا من الوباء مع انتهاء الحجر الصحي، وهذا شكل ويشكل إلى الآن خطورة لا يمكن إنكارها، أدت لعودتنا لحجر صحي جزئي من قبيل ما يحدث في الأحياء، التي تحولت لبؤر حقيقية للوباء. فعلى سبيل المثال، إن استمر الوباء في مسيرته التي تفتك بالأطر الصحية، التي قرب عددها من 20 ألفا على الصعيد الوطني، فسوف نصادف في المستقبل القريب وضعية جد حرجة صحيا، وهنا اتذكر قول الصديق عبد الحميد، مؤكدا على أن المسؤولية تشمل الجميع دون استثناء، والشعور بالوطنية الحقة فكما تعطيك حقا تفرض عليك واجبا، والتي تفرض عليك الالتزام والشعور بأنك قد تهدد حياة الناس بعدم التزامك بالاجراءات، قيم تؤطر بصيغة أخرى نظيرتها من سنة 1953، والتي توجهنا اليوم كما قلت، لتبني تحمل المسؤولية الفردية والشخصية، يجب على كل واحد ان يتحملها.

* انتقل كلحسن إلى البروفيسور عبد الفتاح شكيب، متسائلا عن إمكانية تبني الحجر الصحي الفردي الإرادي، قبل أن تحيلنا الامور إلى تبني الحجر الصحي الشامل.

** يجيب البروفيسور عبد الفتاح، بأن على المواطن ان يدرك، بأنه قد يتحول إلى ما يشبه آلة لتوزيع الفيروس، و أن الإصابات و العدوى به تأتي من المواطنين انفسهم، و أن الدولة قد سعت لتوفير جميع الامكانيات لحماية مواطنيها، من قبيل صناعة الكمامات الواقية و بيعها بأثمنة تنافسية، و يشمل أيضا المعقمات و غيرها.. لذلك يبقى على المواطن، أن يلتزم بالإجراءات و أن يرتدي الكمامات، إلا أن الطامة الكبرى تكمن في كون بعض المغاربة لا يضعون الكمامات بشكل صحيح. ثانيا، عدم الالتزام بالتباعد الجسدي، فهو وقاية مجانية لا تكلف فلسا، فقط يشترط تفكيره وتطبيقه تفاديا لأي عدوى ممكنة، خاصة ان بعض المرضى لا تظهر عليهم أعراض المرض، وهنا يأتي هذا الإجراء كمرآة للمواطنة الحقيقية.
* أعقب كلحسن، بسؤال البروفيسور شكيب، عن سلوك لوحظ في الأيام الأولى الجائحة، وهو بحث المواطنين عن وسائل التعقيم بالرغم من ثمنها المرتفع، حيث أشار جلالة الملك في خطابه، إلى أن هذه المعضلة قد حلت بشكل نهائي، ولما اصبحت متوفرة لم تعد تستخدم إلا نادرا، فما تفسيركم لهذا السلوك؟

** يجيب البروفيسور شكيب، بأن الأمر يفسر بعاملين أساسيين. يتمثل الأول، في كون الجائحة في بدايتها، كونت صدمة لدى المواطن عقب ما عاشته بلدان كالصين و في أوروبا، للأسف من بعد ذلك، بدأت تقل الوفيات و تزداد الإصابات بدون الأعراض، ما أدى إلى بلبلة في عقول المواطنين، خصوصا مع ذكر بعض المعطيات من قبل وزارة الصحة، من قبيل (نسبة الشفاء بلغت 80%)، ما يؤدي لتكوين فكرة مغلوطة عن الفيروس لدى العامة، و أن على المغاربة ترسيخ فكرة أن غالبية وفيات كورونا، تأتي من أشخاص تتجاوز أعمارهم 60 سنة. يؤسفني القول، بأن رفع الحجر الصحي، جاء مع قدوم فصل الصيف و عيد الأضحى، ما أدى إلى لامبالاة واضحة و عبثية في التعامل مع الفيروس.

* ما رأيكم (موجها السؤال نحو السيدين قراقي والجماهري)، في الفقرة التي جائت في خطاب جلالة الملك، التي جاء فيها “…إن استمرت هذه المعطيات في الارتفاع، فإن العودة الى الحجر الصحي وتشديده، رغم الانعكاسات القاسية على الاقتصاد والمجتمع”، مظهرا بان الخطاب الملكي قد دق ناقوس الخطر بشكل واضح.

** يجيب قراقي، بأن ماذكر في هذه الفقرة، يجب فهمه في سياق معين، سياق مرتبط في مراهنة المغرب على الإنسان وحمايته من الداء، وبالتالي لا يمكن للمغرب ان يتخلى بسهولة عن ما حققه خلال فترة الحجر والجائحة وما قام به من تضحيات خاصة على مستوى الاقتصاد، الذي تراجع بشكل واضح مقارنة بالسنوات أو العقود الماضية، كل ذلك من أجل الحفاظ على حياة المواطن المغربي. وبالتالي، لا يمكن له أي يستغني عن كل ما بناه و قدمه من تضحيات، فقط لسلوك غير مسؤول تتكبد نتائجه الدولة والمجتمع.
وعليه، فإن التزايد في الحالات المصابة وتأزم الوضع، لن يمنع الدولة من التدخل وتصحيح الوضع. أظن بانه وعلى مر العصور، كانت أفضل وسيلة للوقاية من الأوبئة هي الحجر، وأن لهذه العملية أهمية ثبتت منذ 3 أشهر، تمكن من حماية المجتمع بشكل واضح.
إن عدم التمثل والفهم من قبل الأفراد لهذه الاجراءات، قد يجبر الدولة على التوجه لتطبيق الحجر كخيار وحيد، وأن تطبيقه سيبتنى الصرامة بشكل واضح جدا.

** يجيب جماهري بدوره، بان الملاحظ في الخطاب الملكي، احتوائه على ذكر موجز وصريح للعودة المطروحة لتبني الحجر الصحي، بيد أن المقدمات كلها تحدثت عن تدهور الوضع الصحي، مشيرا لما قاله جلالة الملك “لي قال ليكم من غير هادشي راه كيكذب عليكم”، مضيفا معطيات حول مؤشرات الوفيات والإصابات وسط رجال الصحة…، وبالتالي فإن المقوم الأساسي في العودة إلى الحجر الصحي، هو تلويح جلالته بإمكانية العودة لهذا الاجراء، مع شيء من الصرامة وضبط حريات الناس كي لا يسيئوا لأنفسهم، في توجه يعبر عن إنسانية تعامله مع الوضع.

ثانيا، أعقب على ما ذكره البروفيسور حول عيد الاضحى وفصل الصيف، وأذكر قرب موعد الدخول المدرسي، وغياب السؤال والجواب الحقيقي حول إمكانية الإصابة لدى الطلبة والتلاميذ، ما يضعنا تحت سقف صعب جدا أو يمكن أن نقول إنه “حاجز قيامي”، فلا قدر الله وانفلتت الامور، لا يمكن توقع ما سنعيشه مستقبلا من نتائج خصوص إذا ما انهار النظام الصحي والهشاشة العائلية (6 ملايين عائلة تعاني الأمرين)، وهل سيكون مصيرنا التوجه بملء إرادتنا للحجر الصحي دون بذل أي مجهود.
أعتقد أن جلالة الملك، بقدر ما شدد في خطابه على المسؤوليات الفردية، بقدر ما يبعث رسائل لربما ترجنا لنفكر في الأسئلة التي تتمحور حول المواعيد المتعلقة بالتحركات و الانتقالات البشرية الكبيرة.
بالتأكيد، نحن اليوم أمام ما يمكنني تسميته ب”المفارقة الثقافية” أو “رمزية – أخلاقية”، وهي كيف نجعل من الحرية رديفا للحياة، بيد انه في لحظات تحضر فيها حريات التنقل والممارسة وغيرها..، تكاد تكون حريات ترادف “القتل” او “نية القتل”، على غرار ما نادى به أطباء التخدير من مطالب بتعويض الحرية بالمسؤولية، غذ آن الأوان أن تصبح الحرية مرادفا للصحة. يجب من جهة اخرى، دمج المثقفين و العلماء، في مسار تغيير التمثلات المسبقة عن الجائحة، من قبيل ما ذكره الملك من “كون كورونا نظرية من نظريات المؤامرة”، وذلك لإيجاد جو صحي للحرية لكي لا تكون ضد الانسان ولكي نتحمل المسؤولية، بيد ان المسؤولية هي رديفة الحياة وهي الحليف الأساسي في الحياة.

* انتقل كلحسن إلى البروفيسور عبد الفتاح شكيب، لأخذ رأيه في ما قاله الضيوف الحاضرون، والمعطيات التي لا تخص فقط الوفيات والإصابات، واإنما تشمل حتى المصابين قيد العلاج وأسرهم التي تعاني معهم في غرف الانعاش، لربما يعود المتلقي المغربي لحالة الصدمة التي ذكرت مسبقا، ليكون الخطاب الأساسي الذي يجب أن يصل للمتلقي.

** يجيب البروفيسور عبد الفتاح شكيب، بان المقاربات في الصحة العمومية، قد تؤدي إلى نتائج عكسية، أمر لاحظناه في بعض الحملات بخصوص مرض سرطان الرئة، التي اظهرت دراسة أجريت في الولايات المتحدة، وبالرغم من إظهار بعض الصور التي لا تلائم الجمهور لما تحتويه من إزعاج بصري، لاحظ القائمون على الدراسة نتيجة عكسية، مفادها عدم العزوف عن التدخين.
أظن وأشارك رأي الأستاذ جماهري، بأن على الأطباء الحضور في القنوات التلفزية على غرار ما تشهده فرنسا، ليشرحوا للمواطنين حقيقة الواقع، فكما قال الاستاذ جماهري أن مشكل المرض حقيقي، وأننا لا نملك دواء او لقاحا يقينا شر المرض، متمنين أن تسفر الأبحاث عن لقاح فعال في غضون شهرين أو 3 اشهر المقبلة، غير أننا نملك ادوية مثبتة فعاليتها علمييا للحالات في مراحل الإصابة الأولى، ومن هنا لم يتبق لنا سوى وسائل الحماية الفردية كالكمامات الواقية وغيرها.
ما قد يطرح لنا مشكل، كما قال الأستاذ جماهري، هو أن بعض الأشخاص هداهم لله، قد أسسوا لفوضى تشبعت بها عقول المغاربة من قبيل “نظرية المؤامرة”، إذ وجب تفسير كل هذا من الناحية العلمية، بيد أنني أؤمن أن طريقة الخطاب يجب أن تتغير، فهي الكفيلة بدحض أشباه هذه الادعائات، إذ لابد من خطاب مواز يتحدث عن المشاكل الحقيقية. كمثال، لنقل إن لدينا ألف إصابة، و نرسل 500 منها إلى المستشفيات، هنا و ما لا يعلمه جل المغاربة، اننا سنضطر لحرمان المصابين من أمراض أخرى غير كورونا من الخدمات الطبية، فقط لكي يستفيد المصابون به من الخدمة الطبية، حتى في المستشفيات الجامعية للضغط الذي تعرفه، وأن المنظومة الصحية تعيش خصاصا بسبب الأمراض الأخرى، فما بالك بالمصابين بكوفيد19.
في نهاية اللقاء وآخر مداخلة للضيوف، أعقب جامع كلحسن على ذكر النظرة الايجابية لجلالة الملك، التي قال فيها “…بأنه بإمكان الشعب المغربي والمغرب، ان يرفعا التحدي لمواجهة الجائحة. لكن، وبشرط الالتزام و استحضار قيم التضحية والوفاء والروح الوطنية…، لتجاوز هذه الظرفية الصعبة”، وأن كل ما ذكرناه مسبقا، يبقى المؤطر له هو مصلحة الفرد و المجتمع والوطن بشكل كلي.

** يعقب قراقي، بأن الاكيد ان علينا معرفة امر أساسي اليوم أولا، ويجب ان نشتغل جميعا من اجل الحد منه، إذ ان لي اليقين أن هذا الأمر هو مسؤولية الإعلام الوطني في المقام الأول، بيد ان ما يحصل عليه المغربة من معلومات حول الفيروس، لا يأتي الا من مواقع التواصل الاجتماعي، التي تقدم مضمونا معرفيا لا يمت للعلم بصلة، وان أفضل المصادر وأكثرها موثوقية كما كان الحال في الماضي و الآن ياتي من المنابر الاعلامية العمومية بصفة اساسية، بيد ان الاعلام العمومي هو الجهة الوحيدة القادرة على توفير المعلومة الصحية الصحيحة للعموم.

ثانيا، لا يمكن ان نتحدث أو نواجه او نتصدى لما نعيشه اليوم، دون حضور شعور المواطن بمسؤوليته الخاصة، لكون الجميع مسؤولا على الأرض، وأن يتوقف المواطن عن إلقاء اللوم على الدولة، في تحركات و سلوكات خرقاء تفتك بالناس دون علم مسبق منا، فالمسؤولية اليوم أولا و اخيرا فردية بالأساس، وأن ما نعيشه اليوم هو خطر حقيقي سيؤدي بنا الى ما لا تحمد عقباه.

** أردف الدكتور شكيب بدوره في كلمته الختامية، مذكرا أولا بأن كوفيد19 حاضر بيننا وهو فيروس حقيقي، ثانيا بأنه يقتل الجميع مهما اختلفت أعمارهم وطبقاتهم الاجتماعية، وثالثا بأن المشكل الاخطر هو قدوم شهر سبتمبر وبداية تغير حالة الطقس، ما يعني ظهور موجة الزكام من جديد، وان الاحترازات يجب ان تنفذ وتطبق، تفاديا للاكتضاض الذي يصيب المستشفيات، وتمكينا للجميع من الاستفادة من فرصة لمعالجة الزكام في موسمه.

** اختتم جماهري اللقاء، مؤكدا بأن الخطاب الملكي بالنسبة إليه، لم يرد أن يشتغل على مخاوف المغاربة، إلاأنه أيقظها بالصدمة الكهربائية و بذكائهم وقيمهم الجماعية، ولذلك ما يبرره، بيد أن الدول كلها احتمت ب”مظلتها الوطنية”، وعادت كلها إلى القيم الأساسية المؤسسة لها أي “الوطن”، حيث أن الوحدة الأساسية لقياس التموقع في العالم هي “الوطن” كما قيل في خطاب 29 من يوليوز المنصرم، وبالتالي فإن الخطاب قد شحن القيم المرتبطة بالوطنية. لذلك، أعتقد بأن كل مغربي، عليه ان يشعر بأنه مصاب حتى تثبت نجاته، جملة تشابه ما قلته مسبقا كوننا نحمل العدو في أجسادنا، وأننا نفتح له من دون الحذر والقيمة الوطنية، البوابة على وطننا و فلذات أكبادنا وآبائنا.

تعليقات الزوار ( 0 )

مواضيع ذات صلة

الكاتب الأول يحضر اللقاء التواصلي الأول لنقيب المحامين بالرباط

تقديم طلبات التسجيل الجديدة في اللوائح الانتخابية إلى غاية 31 دجنبر 2023

الأخ عبد الحميد جماهري يشارك في الندوة الوطنية المنظمة من طرف حزب التقدم و الاشتراكية

الكاتب الاول ينعي وفاة الاخ عبد اللطيف جبرو