بمناسبة افتتاح الدورة 25 للجمعية الجهوية لإفريقيا بالجمعية البرلمانية للفرنكفونية

عن جريدة الاتحاد الاشتراكي

ترأس الحبيب المالكي رئيس مجلس النواب يوم الاثنين 22 مايو 2017 بمقر المجلس افتتاح أشغال الدورة 25 للجمعية الجهوية لإفريقيا بالجمعية البرلمانية للفرنكفونية التي تحتضنها الرباط خلال الفترة مابين 22 و24 مايو.
وقد ألقى رئيس مجلس النواب خطابا في افتتاح الدورة التي تشارك فيها وفود من 19 بلدا إفريقيا فرنكفونيا من بينهم ثمانية رؤساء برلمانات وبعض المنظمات القارية ومنها برلمان عموم إفريقيا الذي يحضر رئيسه أشغال الدورة.
وفي ما يلي نص كلمة رئيس مجلس النواب:
«يشرفني أن أترأس افتتاح أشغال الدورة 25 للجمعية الجهوية لإفريقيا بالجمعية البرلمانية للفرنكفونية. وأود في البداية أن أرحب بكم في المغرب معربا عن فخر وسعادة البرلمان المغربي باستقبالكم واحتضان هذه الدورة التي تعتبر مناسبة أخرى لمناقشة عدد من القضايا الحاسمة بالنسبة لمستقبل قارتنا.
تنعقد هذه الدورة في سياق يتميز بعدد من التحديات التي تتطلب أكثر من أي وقت مضى، تعبئة المجموعة الإفريقية لمواجهتها. فإلى جانب التحديات التي تواجهها إفريقيا أصلا، فإن القارة تتلقى تأثير الاضطرابات التي تهز العديد من مناطق العالم، متسببة في عدد من النزاعات وفي مضاعفة موجات الهجرة وفي تدهور أوضاع إنسانية هي مأسوية أصلا.
وتعتبر المواضيع التي تم اعتمادها للمناقشة في هذه الدورة، في قلب الراهن الجيو-سياسي والاقتصادي للقارة وفي قلب انشغالات البرلمانات التي تمثل الشرعية الديمقراطية.
وسواء تعلق الأمر بالاستقرار أو الأمن أو المقاولة أو الحكامة الجيدة، فإنها جميعها إشكاليات رهينة إلى حد كبير ببناء مؤسسات تمثيلية تتمتع بالمصداقية. وتعتبر البرلمانات التي تُشرع، وتُراقب العمل الحكومي وتُقيِّم السياسات العمومية مدعُوَّة، من خلال إِعمال العديد من الآليات المؤسساتية، إلى الحرص على احترام مبادئ الشفافية وربط المسؤولية بالمحاسبة وضمان التعددية وصيانة الحريات العامة والحقوق، وهي على هذا النحو، في قلب الحكامة الجيدة التي أضحت في السياقات الراهنة أحد شروط العمل المقاولاتي المستدام والمنتج للنمو وللثروات.
ومن جهة أخرى، فإن الحكامة الجيدة لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تُختزل في مجرد نمط تدبير، إنها أكثر من ذلك سلوك وثقافة وأخلاق ومنظومة قِيَم يتعين على النخب السياسية والاقتصادية أن تبرهن عن اقتناعها بها من خلال الممارسة اليومية وفي تدبير الشأن العام.
الزملاء الأعزاء،
السادة السفراء،
السيدات والسادة،
من بين المحاور التي تنكب هذه الدورة على مناقشتها، العمل المقاولاتي في إفريقيا ورهاناته والتحديات التي تواجهه. ويتعلق الأمر، في هذا الشأن بتحرير المبادرة الشخصية، وبالحرية الاقتصادية وبالمنافسة من أجل تحفيز النمو والإبداع والاختراع. فالمقاولة تمنح الشباب الإفريقي فرصا للتشغيل الذاتي وبناء الذات، وتمكنه من الانفتاح والمساهمة في تنمية القارة والاندماج في النسيج الاقتصادي ولما لا في منظومة المبادلات على الصعيد العالمي.
ومن شأن المقاولة أيضا أن تساهم في انبثاق قطاع خاص إفريقي مواطن، مبادر ومبدع، مدعوم من جانب الدولة التي تقع عليها مسؤولية توفير مناخ الأعمال الملائم للنمو، وتشخيص واعتماد الآليات الملائمة لتمويل المقاولة.
وفي هذا الصدد، فإن البرلمانات، مدعوة إلى اتخاذ المبادرات التشريعية التي تمكن من وضع إطار قانوني ومؤسساتي ملائم للمبادرة الخاصة. كما أنها مدعوة إلى لعب دور حاسم في ما يرجع إلى محاربة الفساد و القضاء على العراقيل الإدارية و تبسيط المساطر و تحفيز الاستثمارات.
و إذا كانت هذه الأهداف، قبل سنوات، تدخل في باب التمنيات في إفريقيا، فإنها اليوم ممكنة التحقق بفضل عدة عوامل. فالأوضاع مستقرة في الغالب الأعم في إفريقيا، التي لم تعد تلك القارة «المنكوبة» كما كان يطلق عليها خلال النصف الأخير من القرن العشرين، إنها اليوم قارة صاعدة في كل الأبعاد.
و على المستوى السياسي، و رغم بعض بؤر التوتر الداخلي، فإن عددا من البلدان الإفريقية و خاصة، إفريقيا الفرنكفونية، نجحت في تحقيق انتقالات ديمقراطية،وهي بصدد تنفيذ إصلاحات سياسية ومؤسساتية عميقة، مهدت أو تعزز، عمليات ديمقراطية تؤكد نهاية الأنظمة التي تعود إلى عهد الحرب الباردة.
و من جهة أخرى، وصلت إلى الحكم أجيال جديدة من رؤساء الدول والحكومات والنخب الجديدة الشابة والمؤمنة بإمكانيات شعوبها فيما لم تعد الانقلابات العسكرية طريقا يؤدي إلى الحكم، وأصبح الاقتراع العام و الانتخابات راسخة في الممارسة السياسية بقارتنا التي تخلصت من عدد من النزاعات الداخلية و العابرة للحدود.
وعلى المستوى الاقتصادي تحقق إفريقيا منذ مطلع القرن الواحد والعشرين، معدلات نمو إيجابية تقترب من رقمين في عدد من البلدان.
و تجذب إفريقيا الغنية بإمكانياتها، من موارد طبيعية ومعدنية و موارد بشرية، مستثمرين استراتيجيين من أوروبا و آسيا وأمريكا، بل إنها في قلب رهان منافسة عالمية قوية أكثر مما هي قارات أخرى.
و يقوي انبثاق الطبقة الوسطى بالقارة النسيج الاقتصادي وتحديث مجتمعاتنا.
و مع ذلك، فإن هذه المكاسب تتطلب التقوية حتى تصبح غير قابلة للتراجع من أجل رفع التحديات الكبرى التي تواجهنا: التطرف والإرهاب و الهجرة و بطالة الشباب و ضعف التشغيل والتصحر وتدهور التربة والنقص في التجهيزات وتهميش النساء والعجز في خدمات الصحة والتعليم.
إنني اليوم، وسأظل في المستقبل، أحد الممارسين الأفارقة المتفائلين المقتنعين بأن إفريقيا جديدة هي في طور التشكل والانبثاق، وأن على البرلمانات أن تكون في صلب عملية الانبثاق تلك وفي قلب النهضة الإفريقية. وعلى البرلمانات أن تحفز وتدعم الإصلاحات الضرورية لبناء المؤسسات، وعليها أن تعبئ الرأي العام وتعمل على كسب ثقته، وتلعب دورها الكامل في التماسك الاجتماعي من خلال التنمية التضامنية. وينبغي عليها أن تعمل من أجل تجنيب المجتمعات النزاعات وعدم الاستقرار من أجل تيسير تنمية متوازنة ومستدامة تضمن المساواة في الفرص.
وعلى المستوى المؤسساتي ينبغي على مؤسساتنا التمثيلية أن تدافع عن إفريقيا ومصالحها لدى المجموعة البرلمانية الدولية والتجمعات السياسية والاقتصادية العالمية.
وفي هذا الصدد، فإن المغرب الذي يستقبلكم اليوم، لا يمكنه إلا أن يكون وفيا لالتزاماته إزاء جميع البلدان الصديقة. وتعتبر عودته إلى أسرته المؤسسية الإفريقية، أي الاتحاد الإفريقي، مرحلة جديدة من هذا الالتزام الصادق، المتين والملموس.
ولعل ما يؤكد هذا الاختيار الاستراتيجي في المساهمة في انبثاق إفريقيا الجديدة، الزيارات المتتالية التي قام بها صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله إلى أكثر من 29 بلدا إفريقيا والتي تجاوزت الخمسين زيارة توجت بتوقيع مئات اتفاقيات الشراكة والتعاون. ومما يؤكد هذا الاختيار أيضا قيام المغرب بمضاعفة الشراكة جنوب-جنوب ومشاريع الاستثمار المغربية العمومية والخاصة في عدد من البلدان الإفريقية.
إن الفرنكفونية التي تجمعنا اليوم هي أحد الفضاءات المتميزة للحوار والنقاش، ولا ينبغي اختزالها في مجرد مجموعة تتقاسم اللغة على غناها. إنها منظومة قيم وثقافة تغنيها عدة حضارات كما تشهد على ذلك كتابات عدد من الكتاب الأفارقة كالسنغالي ليوبولد سيدار سنغور أحد مؤسسي الفرنكفونية، والإيفواري أحمدو كوروما، والكامروني مونغو بيتي، والمالي أمادو هاباتي با. إنها رؤية إنسانية وتراث مشترك يحفزنا على التفكير معا سويا.
واسمحوا لي في هذا الصدد أن أذكر واحدا من كتابنا المرموقين، الطاهر بن جلون الذي صرح في 2007 بما يلي : « منذ المدرسة الابتدائية وجدت نفسي أمام لغتين، وكنت سعيدا بأنني أمام قبيلتين من الكلمات، وأمام بيتين واحد أوسع من الآخر ، إلا أنهما معا مضيافين وواسعين ومفتوحين على الفضاء مع بعض الكنوز المختزنة تحت الرخام أو الزليج الذي تصقله أيادي صناع تقليديين بارعين»
أتمنى أن تسهم أشغالنا في تثمين هذه الكنوز التي لا أشك في غناها وحجمها».

تعليقات الزوار ( 0 )

مواضيع ذات صلة

الكاتب الأول يحضر اللقاء التواصلي الأول لنقيب المحامين بالرباط

تقديم طلبات التسجيل الجديدة في اللوائح الانتخابية إلى غاية 31 دجنبر 2023

الأخ عبد الحميد جماهري يشارك في الندوة الوطنية المنظمة من طرف حزب التقدم و الاشتراكية

الكاتب الاول ينعي وفاة الاخ عبد اللطيف جبرو