/1بخصوص تأجيل إلقاء الخطاب الملكي « زيادة الحرص حرصين»
لم تكن عملية تأجيل إلقاء الخطاب الملكي مسألة عادية، بل إنها تشكل مدخلا أساسيا للبحث عن العبرة من ذلك، واستغلال الدروس اللازمة..في هذا الزمن الكوروني الصعب، كانت لبلادنا مكانة متميزة، وكانت مضرب الأمثال، وكان من الممكن أن تبقى في مكانتها هذه لحد الساعة.. لولا بعض السلوكات التي تصدر أحيانا عن جهل، وأحيانا أخرى عن استهتار، وربما حتى عن عمد… ما دام أن أخبار الجائحة والمعلومات عنها وعن طرق انتقالها متوفرة، لكن لا حياء لمن تنادي…
في خضم هذه الأحداث.. كان جلالة الملك كعادته صريحا مع شعبه.. ببيان أوضح أسباب تأجيل إلقاء الخطاب الملكي السنوي لذكرى المسيرة الخضراء العظيمة، حريصا على كافة التدابير الصحية الوقائية، لم يكن وصال الملك محمد السادس بخطاب عيد المسيرة الخضراء ممكنا، أمام اكتشاف حالة إصابة بفيروس كورونا ضمن طاقم التصوير، ليتقرر التأجيل وتوفير كافة ظروف السلامة الصحية.
واقتضى البروتوكول الصحي المصاحب لخرجات الجالس على العرش تأجيل مخاطبة الشعب المغربي إلى غاية يوم السبت( 7 نوفمبر ) في إشارة إلى أن التدابير الصحية تشمل الجميع ولا تستثني أحدا، بمن في ذلك رئيس الدولة الذي كان سيلقي خطابا مرتقبا.
إن تأجيل الخطاب الملكي سابقة في تاريخ العهد الجديد ودليل على دقة المرحلة، وصعوبة الظرفية وخطورتها .
قد يعتبر البعض ذلك مجرد تأجيل، لكنه في صلبه يحمل العديد من الدلالات والإشارات، أو لنقل إنه يحمل الكثير من العبر والدروس…
جوهر هذه الدلالات أنه كان بالإمكان استبدال الفريق الإعلامي المشرف على التصوير وانتهى الأمر، لكن جلالة الملك لم يكن من هذا الرأي الذي لا أحد يشكك في صوابه وحكمته، لكنه خيار كان سيحجب عنا حقيقة أخرى، وهي أن البلاد تمر بأزمة ناتجة عن انعدام ثقة المواطنات والمواطنين بخطورة الجائحة، «كوفيد19»، ذلك الفيروس اللعين، فكان في ذلك التأجيل درس وعبرة.
الدرس هو أن جلالة الملك يثق في أعمال اللجان العلمية والطبية، ويعتبر أنه من اللازم احترام مخرجاتها وتوصياتها ومقترحاتها، فالفيروس موجود، والعدوى تنتشر، واتخاذ الحيطة واجب.
أما العبرة، فهي تخصنا نحن، علينا واجب استخلاصها، إذا كان ملك البلاد يقوم بالحرص اللازم، ليس فقط على نفسه أو عائلته الصغيرة، بل أيضا على محيطه وعلى كل المتعاملين معه، فلماذا لا نتبع نفس الأسلوب والسلوك؟
لو التزم كل واحد منا بنفس الموقف والسلوك لحافظنا بدورنا، ليس فقط على أنفسنا وعائلاتنا الصغيرة ومحيطنا والمتعاملين معنا، ولكن على بلادنا…
نعم موقف ملكي نبيل، يحمل في طياته كل الحرص على مصلحة الوطن، فلو قمنا بدورنا بنفس الاحتياطات، لكان في ذلك زيادة الحرص حرصين، ولأرجعنا لبلادنا مكانتها…
دمت لنا ملكا.. قائدا.. حريصا.. لكن أيضا ملهما للدروس والعبر.
2/ أمام القضية الوطنية.. لا ضرورة لترتيب الأولويات:
الخطاب الملكي للذكرى 45 للمسيرة الخضراء، كان كما توقعه الشعب المغربي، فرغم جائحة كورونا وتداعياتها الاقتصادية والاجتماعية، فإن الشعب المغربي تتبع عن كثب وبشكل يومي، كل استفزازات خصوم وحدة المغرب، تعددت محاولاتهم اليائسة، وصلت حد محاولة عرقلة حركة المرور عبر معبر الكركرات.. بل وصلت الدناءة حد استفزاز أفراد جنود جيشنا الملكي المرابض على حدوده الوطنية..لكن المغرب لم يسقط في الفخ، وكان الجواب عبر الخطاب الملكي…
وقف الخطاب الملكي عند المسار المتصاعد للمكتسبات التي يحققها المغرب في الأمم المتحدة|، في الاتحاد الإفريقي، في العلاقات الثنائية… ولم يقف المغرب عند حد إقناع الدول والمنظمات الدولية بعدالة قضيته، بل أيضا أثبتت المكتسبات أن المغرب بلد آمن، فتح القنصليات من قبل دول شقيقة وصديقة دليل على أنه ما كان لها أن تغامر بذلك لولا قناعاتها الراسخة بأن الصحراء جزء من بلد آمن…
من المؤكد أن سلسلة المكتسبات التي عددها الخطاب الملكي، ستجعل الاستفزازات العقيمة عمليات بائسة، وأن ما سيزيد من بؤسها أن المغرب لا يميز بين مختلف مناطقه الكبرى، فكما أن شمال البلاد يتوفر على ميناء طنجة المتوسط الذي جعل المغرب يندمج أكثر فأكثر في التنمية الدامجة للمغرب في أوروبا، سيكون للجنوب ميناء الداخلة الأطلسي الذي سيعزز اندماج المغرب في عمقه الإفريقي..
مكتسبات وعمل تنموي نوعي، شكلت جوهر الخطاب الملكي، ولنترك الخصوم في غيهم يتيهون…
وهكذا أثبت الخطاب الملكي للخصوم أن المغاربة، رغم جائحة كورونا، ورغم تداعياتها، ورغم انشغالهم ببلورة نموذج تنموي جديد، فإن للقضية الوطنية كل الأسبقية.