في آسيا هناك أزمة ترقى إلى المأساة، ضحيتها أقلية عرقية تحمل اسم «الروهينجا»، أكثر من مليون من أفرادها يقطنون غرب جمهورية اتحاد مينانمار المعروفة ببورما والمتواجدة على امتداد خليج البنغال بشرق القارة . هذا المليون الذي يدين بالديانة الإسلامية شاءت ظروف تاريخية مركبة بأن يتواجد بإحدى أفقر الولايات السبع لهذا البلد الذي يقدر عدد سكانه بحوالي الخمسين مليون، جلهم بوذيون .
ولمأساة «الروهينجا» عدة أوجه أبرزها أنهم بدون جنسية حيث سحبت سلطات بورما عنهم انتماءهم لها منذ سنة 1982، واعتبرتهم مهاجرين غير شرعيين قدم أغلبهم من الجارة بنغلاديش، وفرضت عليهم نظام فصل عنصري حيث قيدت حركة تنقلهم وعملهم وتقلدهم للوظائف الرسمية، وشددت عليهم الخناق قصد تهجيرهم خارج البلد. أما الوجه الثاني فهو استهدافهم في الآونة الأخيرة خاصة منذ 2012 واقتراف جرائم بحقهم تعتبرها الأمم المتحدة والعديد من المنظمات الدولية بأنها ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية وأنهم الأقلية الأكثر اضطهادا في العالم.
هو صراع عرقي إذن عرف مراحل عنف دموي، خاصة تحت حكم العسكر الذي أحكم قبضته على هذا البلد طيلة خمسين سنة، قبل أن يفسح المجال لأحزاب من المعارضة كي تصبح شريكا له في الحكومة، صراع عرقي استفحل اليوم وتحول إلى مواجهات مسلحة من جهة ومن جهة ثانية إلى فرار عشرات الآلاف من جحيم هذه المواجهات إلى بنغلاديش التي أغلقت نقاطها الحدودية في وجههم فاضطروا إلى عبور الخليج وأنهار وبحيرات والبحث عن منافذ للإفلات بحياتهم.
إنه لا يمكن إلا التضامن مع ضحايا هذه المأساة والتنديد بالإجراءات التي تتخذها سلطات مينانمار ضد أقلية «الروهينغا». و نثمن المبادرة الإنسانية التي اتخذها المغرب والمتمثلة في إرسال مساعدات إلى اللاجئين ببنغلاديش، وندعو إلى وقف العنف والمجازر المقترفة ضدها، وضمان حقوقها في العيش الكريم وبالتمتع بكل الحقوق التي تضمنها المواثيق الدولية.
إن قضية «الروهينغا» هي قضية إنسانية، وكل محاولة لاعتبارها صراعا دينيا هي مجرد استغلال لهذه القضية، وكل استعمال لصور زائفة تعود لأحداث شهدتها مناطق بالعالم وإيهام الرأي العام بأنها صور نساء وأطفال وقرى «الروهينغا» هو استعمال يسعى إلى تأجيج المواجهات والزج بها إلى متاهات قد توسع من دوائر الصراع وتحوله من بعده العرقي إلى بعد ديني. وقد شاهدنا الاستنفار الذي يقوم به تجار الدين الإسلامي بتعميمهم لأشرطة ومشاهد لا تعبر عن الحقيقة. وهي ممارسات لا يمكن إلا استهجانها وإدانتها.
المطلوب، بالإضافة إلى الدعم الإنساني لضحايا التطهير العرقي الذي تنهجه سلطات بورما، هو التحرك الفعال للأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية الآسيوية لحماية هذه الأقلية، والضغط على حكومة اونج سان سو تشى، المرأة الحائزة على جائزة نوبل للسلام سنة 1991 والتي كانت بدورها ضحية لحكم العسكر لعدة سنوات، فالقضية هي قضية كل الإنسانية ولا يجب اختزالها في صراع بوذي إسلامي…