السيد الرئيس،
السيد الوزير،
السيدات والسادة المستشارين،
إن لحظة مناقشة مشروع قانون المالية المعدل، هي لحظة للتفكير والتحضير المسؤول لتدبير الأزمة التي خلفتها الجائحة على الاقتصاد الوطني، وهي لحظة للتفكير في المداخل الكبرى المؤسساتية والسياسية والاقتصادية والمالية والاجتماعية لمواجهة التداعيات السلبية للجائحة وابتداع اشكال جديدة لصناعة القرار الاقتصادي والمالي ببلادنا في ترابط وثيق مع مركزية القضايا الاجتماعية في كل تدبير سياسي.
إنها لحظة لرسلمة المكتسبات التي حققها المجتمع المغربي في سياق الأزمة والطوارئ الصحية والحجر الصحي، رغم الخسارات الاقتصادية والاجتماعية، إنها مكتسبات جوهرية وجب تطويرها وتثمينها، إذ أن الانتصار للخيار الديمقراطي تجسد في الاشتغال في احترام تام للمقتضيات الدستورية وما تفرضه السلط الدستورية، من توازن وتعاون وفي مقدمتها المؤسسة الملكية التي كانت سباقة في رسم كل الخطوات بمنطق دستوري مؤسساتي صرف وخلاق واستباقي.
وإذا كانت حالة الطوارئ بطبيعتها تقلص من الحريات الفردية والجماعية، فإن الحقوق ظلت مصانة ولم يتم المساس بها من طرف أي كان، بل بالعكس تم تفعيل كثير من الحقوق المنصوص عليها دستوريا للحد من تداعيات الأزمة على القدرة الشرائية للمواطنين.
لقد ظهر جليا أن الإنقاذ جاء من الدولة القوية بقطاع عام قوي، وأبانت الممارسات التي تمت باسم الدولة أمنيا وصحيا وتعليميا …، أنه من الممكن ردم الهوية بين الدولة والمجتمع والانتقال من وضع التنافر إلى وضع التصالح، في سياق وعي جماعي وطني معلي لقيم التضامن والتكافل جسده التفاعل السريع والواسع مع مبادرة جلالة الملك بإنشاء الصندوق الخصوصي كوفيد 19 وهنا لابد من تجديد الإشادة بالمبادرات الملكية الاستباقية والمتتالية والتي كانت في أصل نجاح بلادنا في التعامل الذكي مع أزمة كورونا كوفيد 19.
ولا يفوتنا أن نجدد التحية والتقدير إلى كل النساء والرجال المرابطات والمرابطين والساهرات والساهرين على السير المنتظم المضطرد للمرفق العمومي في الأمن والصحة والتعليم وغيرهم.
لقد أكسبت الأزمة بلادنا سمعة طيبة إقليميا وقاريا ودوليا، وقبل ذلك اعتزازا وطنيا لكل مكونات المجتمع المغربي بمؤسساته السياسية والاجتماعية والمدنية، لحظة جسدت التضامن كشرط للمواطنة، ووحدت بين كل المكونات في إعلاء واضح لمصلحة الوطن على باقي المصالح، سياق كان خصبا لترجمته مؤسساتيا لتدبير الخروج من الأزمة واستشراف ما بعدها، لكن الحسابات الضيقة غيبت على البعض هذه اللحظة الكبرى.
لذلك نحن مطالبون بتوظيف هذه السمعة في تدبير العلاقات مع شركائنا الخارجيين ومع المؤسسات الدولية، وتوظيفها داخليا لتعزيز المكتسبات الديمقراطية التي تحققت في هذه المرحلة، والتوافق حول الخيارات المستقبلية لأدوار الدولة والمجتمع ومختلف الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين والمدنيين، وتجاوز الأعطاب الذاتية والترفع عن الذاتية الحزبية الضيقة والانتباه إلى عمى الهوس الانتخابي، الذي قد يصل أحيانا إلى الإشادة بمن يحقر تشريعا يحمي حقوق ومكتسبات الاجراء والمستخدمين البسطاء من المواطنين.

السيد الرئيس،
إن مشروع قانون المالية المعدل يمكن النظر إليه من زاويتين:
زاوية أولى:
تعتبر أن المشروع مجرد تحيين للفرضيات التي بني عليها القانون المالي 2020، وتصحيح لتوازنات اختلت بفعل الجائحة، وبالتالي فهو مشروع لتدبير ما تبقى من السنة المالية، وسيأتي مشروع قانون المالية 2021 كإطار للبدء الفعلي في معالجة آثار الأزمة.
زاوية ثانية:
يمكن من خلالها النظر إلى المشروع كجزء من تصور عام في إطار رؤية شمولية للإصلاح تدمج أبعادا كبرى في تأطير هذا المشروع، ألا وهي:
التطبيق الفعلي للقيم التي جاء بها دستور 2011.
الالتزام بتفعيل المقتضيات ذات الصلة في القانون التنظيمي للمالية.
استحضار النقاش الوطني حول نموذج جديد للتنمية.
تشجيع الاقتصاد الأخضر كأفق مشترك للإنسانية.
ترسيخ موقع الرقمنة في التدبير الاقتصادي مع الانخراط في الذكاء الصناعي وربط ذلك بتكوين الموارد البشرية.
التكيف مع الانكسارات التي أفرزتها الأزمة سلاسل التزود والإنتاج وإعطاء الأولوية للمنتوجات الوطنية.
ونعتقد في الفريق الاشتراكي أن المشروع الذي بين أيدينا لا يفي بالغرض ولا يجيب على الأسئلة المقلقة التي تطرحها تداعيات الجائحة .

السيد الوزير،
إن الأزمات تشكل لحظات للتفكير الجماعي في التغيير من أجل الخروج وتجاوز مخلفات الأزمة، مما يتطلب التفاوض حول هذا التغيير بين كل المكونات الوطنية، بالاعتماد على القيم الوطنية أولا والإنسانية ثانيا، من أجل بناء قواعد تضامن جديد، وهذا يفترض أن يتقاسم الجميع كلفة التضحية،.
وإذا كان الصندوق الخصوصي لجائحة كورونا كوفيد 19، قد جسد قيمة التضامن في ارتباطها بالمواطنة، فإن استمرارية هذه الروح ضرورة وطنية، ففي ظل تراجع مداخيل الدولة من الضرائب، وارتفاع مؤشر الاستدانة، فالبحث عن موارد مالية جديدة لخزينة الدولة يقتضي تقاسم التكلفة الاقتصادية والاجتماعية مما يحتم القيام بإجراءات تخليقية في الإدارات والمؤسسات العمومية والجهات والجماعات الترابية، من خلال:
اشتراط دعم المقاولات العمومية والخاصة المتضررة من الجائحة بالإضافة إلى الحفاظ على مناصب الشغل، بتكييف الامتيازات المادية والعينية مع الظرفية الوطنية، خاصة الأجور الضخمة في كثير من المؤسسات والمقاولات العمومية.
وضع حد لتعدد الأجور والتعويضات في المسؤوليات التمثيلية وطنيا وجهويا ومحليا.
عقلنة نفقات التسيير في القطاع العام والمؤسسات المنتخبة.
كما أن النتائج الكارثية التي وقفنا عليها اليوم، لاقتصاد الريع والتهرب والغش الضريبي والامتيازات والإعفاءات والاختلالات في توزيع الثروة الوطنية، تدعونا إلى القطع مع المنطق الذي ساد لزمن طويل، والانفتاح على قيم جديدة في الدمقرطة والمحاسبة والتضامن من خلال:
إحداث ضريبة تضامنية للشركات والمقاولات والأنشطة التي استفادت من وضعية الأزمة بازدياد نشاطها وارتفاع رقم معاملاتها وأرباحها.
إحداث ضريبة على التركة.
إحداث الضريبة على الثروة.
كل ذلك في أفق إصلاح مؤسساتي يروم تخليق الحياة الانتخابية ببلادنا وتكريس قيم النزاهة والشفافية وضمان الاختيار الحر، من خلال مراجعة جميع القوانين الانتخابية، وتأطير العمليات الانتخابية بشروط التنظيم والمتعارف عليها دوليا.

السيد الرئيس
السيد الوزير
من منطلق مرجعيتنا الفكرية والأخلاقية كحزب اشتراكي ديمقراطي انتصرنا وسننتصر دوما للقيم والمبادئ المؤطرة للديمقراطية والعدالة الاجتماعية والمساواة والإنصاف، مما يجعلنا يدعونا إلى التأكيد على حاجتنا الجماعية كبلد إلى حداثة فكرية وسياسية فعلية، تجيب على كثير من الالتباس في الممارسة السياسية العاشقة للضجيج الإعلامي.
إن انتماءنا للأغلبية بقراءتنا الشخصية أو بالقراءة الغيرية لن يمنعنا من الإقرار بافتقادنا كأغلبية إلى الكاريزما العاقلة المنفلتة من الجلباب الضيق للحزبية، والتي تلتقط اللحظات الوطنية الحاسمة، لتكريس قيم الديمقراطية التشاركية، لا معنى أن لا تجتمع قيادة الأغلبية في ظل الجائحة وفي إطار التحضير لمشروع القانون المالي المعدل، وتظهر مكوناتها الوزارية منفلتة من تجليات الخيط الناظم لوحدة الرؤيا والقرار.
إن الحاجة قائمة إلى مقاربات أخرى لتجاوز مخلفات الأزمة، وفي مقدمتها التطبيق الفعلي للقيم التي أقرها دستور 2011، وإبرام تعاقدات كبرى حول القضايا الأساسية لبلادنا.
تعاقد وطني كبير حول التعليم ببرامج ومناهج حقيقية وجسم تعليمي كفء وإدارة تربوية حقيقية.
تعاقد وطني كبير حول الصحة على شكل ميثاق يدمج كل المكونات المتدخلة في القطاع ويعلي من شأن الموارد البشرية.
توسيع دائرة الحريات الفردية والجماعية.
الاعتناء بالشأن الشبابي.
تمكين المرأة من كافة شروط المساواة
ضخ الحقل الديني بقيم حقيقية.
تثمين كفاءات القطاع الفلاحي، الذي أمن السوق بكل الاحتياجات خضرا وفواكه ولحوم.
بناء أفقد جديد بناءا على عقد اجتماعي على قاعدة تضامنية تجمع مابين القيم والمصالح.

تعليقات الزوار ( 0 )

مواضيع ذات صلة

الكاتب الأول يحضر اللقاء التواصلي الأول لنقيب المحامين بالرباط

تقديم طلبات التسجيل الجديدة في اللوائح الانتخابية إلى غاية 31 دجنبر 2023

الأخ عبد الحميد جماهري يشارك في الندوة الوطنية المنظمة من طرف حزب التقدم و الاشتراكية

الكاتب الاول ينعي وفاة الاخ عبد اللطيف جبرو