عبد الحميد جماهري

يلخص عبد الرحيم وطنيته في آية قرآنية:”رب السجن أحب إلي” من أن يُفرِّط في الصحراء، عندما قبل ملك البلاد ورئيس الدولة، باستفتاء تقرير المصير فيها.
ويشبه يوسف، ويدخل التاريخ، لا من باب الإسلام السياسي
بل من الوطنية المؤمنة.
ويلخص موقفه من الإسلام السياسي، وهو يتلعثم ما بين معالم في طريق المشرق ودهاليز الدولة القاسية في منتصف السبعينيات:
»شحال قدك من استغفر الله البايت بلاعشا«.
وليقول بحكمة دارجة إن الواقع يكذب التبشيرية المراهنة على الماضي للوصول إلى المستقبل..
ويلخص الممارسة السياسية بقولة هامسة لمساعديه في الحكومة الأولى:
«علينا أن نساعد الناس على أن يصبحوا ميسورين، ونحن محرم علينا الثراء بالسياسة«..
ويفصل بين السلطة.. السياسة والمال، في بلاغة واحدة..
يدخل الزعيم إلى التاريخ بكامل حضوره،
ولا يغادره …
يبدو لنا كما لو أنه وجد مكانا يعرفه جيدا
لا غربة فيه
ولا فقدان..
ولا ألاعيب سياسوية
ولا خيانات..
هنا يقرأ المخلصون كتابهم بيمينهم
ويطلون على الأرض من نافذة في القديم!
كما يكون حال الذين تحدثوا إلى التاريخ العظيم، كصديق أليف.
يظل حاضرا، لا لكي يتقدس في سيرة الحنين، أو في سيرة التماهي، بل لكي يساعد على قراءة جيدة لمغرب، ظل هو وفيا فيه،
مناضلا ووطنيا ومواطنا لا بطلا.
البطولة هي استكمال المواطنة لوجودها
واستكمال الوطنية لمثاليتها..
ولأن التاريخ، ليس تجميعا لمواقف من الحاضر الذي عاشه فقط ، فهو أيضا يصير ما تركه من أثر يجدي في صياغة الحاضر الذي لن يعيشه… ونعيشه نحن…
بأسئلة أخرى، ومعادلات أخرى.. لكن بوطن هو نفسه، وقلق هو نفسه، وسقف هو نفسه: الوطنية المغربية، بإسلامها المنفتح، وعالميتها المتراصة والراسخة في التربة المحلية.. وبالإيمان العميق بالشعب!
لا يكون إطنابا تاريخيا أن يحضر الزعيم عبد الرحيم بوعبيد في حاضرنا، ولا تمديدا للماضي في حيوية الحاضر، وربما المستقبل، بل هو استدعاء ما لا يموت فيه، وفي أمثاله من كبار الوطنيين، من قيم وأفكار ونموذجية بشرية، محكومة بنسبية الفعل السياسي في زمكانيته المغربية..
أي استدعاء التاريخ الحي، سابقا، والذي تحول بفعل سلوكه السياسي الوطني إلى تاريخ يتعالى عن النهاية.
حتى وإن فاض الواقع اليومي حاليا عن البطولة، فهو يقيم في الدائم، أما الواقع المتغير، فهو يصنع الوقائع، لا يصنع الأحداث..
وثقته في الشعب، جعلته يعيد اسمه دوما في كل التصريحات
ولم يكن شعبويا
ولا كان يقدس الجماهير تقديسا فوضويا أو ثوريا
كان يعتقد بحزم أن الشعب مصدر حقيقي للطاقة الشرعية، عندما يمارس الديموقراطية ويتعلمها كما يتعلم سياقة الدراجات،
يسقط ثم يركب ويسير ثم يسوق ويركب ثم يسير.. من جديد!
مع عبد الرحيم، لا نكون في حاجة إلى فرويدية مصطنعة، تشترط موت الأب ليكون الأبناء…عرضة للقداسة
أو الحداثة لا فرق..
لا أومن كثيرا، بأن حشر الأبطال الوطنيين في كتب الدراسة، كفيل لوحده بأن يجعل منه اجتهادا يوميا للأجيال ولا غذاء يوميا للمخيلة وللقيم…
قد يكون ذلك في ابستيمولوجيا التوطين الأنسب للمجد المشترك، عند النشيد الوطني وقبل جرس الخروج، لكن الذي يجعل من البطولات الوطنية هواء في الحياة العامة، هو السلوك السياسي الحي وتجديد العقيدة القيمية للسياسة، بما هي التزام، لا يقوم بوظيفته، فقط، عند الصراع والتنازع…
بل أيضا في شموخ التطوع العام…
عبد الرحيم هو
الوطني العنيد
والواقعي النظيف أيضا
التقدمي الصارم
والمفاوض المرن أيضا
المسلم المنفتح
والتقدمي المتعدد أيضا
المغربي القح
والاشتراكي المتشعب أيضا
القومي الوفي
والمحاور المنفتح أيضا..
بشموخ أصدقائه
وبشموخ خصومه كان عبد الرحيم يقاس..أيضا!

تعليقات الزوار ( 0 )

مواضيع ذات صلة

الخروج  اليوم عن المبادئ والقواعد والأعراف والتوافقات ترجمة لمنطق التغول : إلزامية عدم التراجع عن المكتسبات التي سبق إقرارها في النظام الداخلي

حتى  لا تتحول مجالس الحكامة الى آلية للتحكم

اليوم يفتتح ذ.إدريس لشكر المؤتمر الوطني لقطاع المحامين

الأغلبية تظهر «وحدة الواجهة ـ الفاصاد»، وواقع مكوناتها يؤكد ما قاله الاتحاد وكاتبه الأول..