عبد الحميد جماهري

جيل بكامله، ذاك الذي لم يعش مغرب محمد الخامس ومغرب الحسن الثاني الذي تربى في تحولات سريعة وعميقة، جيل ظل يصارع الجمود، الذي طبع البلاد، حيث لا دينامية طالت شروط الحياة والسياسة والاقتصاد، طوال أربعين سنة.
هذه المرحلة التي انتهت بشعورعام بأن البلاد تفلت من أهلها، نحو سكتة قلبية مؤسساتية، فسحت الطريق نحو وتيرة أكثر من عالية في تدبير مخلفاتها.
كانت المصالحات خطوة جبارة في تاريخ البلاد، حين انتصر ملك البلاد للتجاوز الإيجابي لماض قاس، مركب، ملتبس وسحيق، كما أن المرحلة الموالية صارت مرحلة العمل العميق المتعلق بالتحديث والحداثة بعد أربعين سنة من تحيين التقاليد والسلطنة ، وأربعين سنة من تاريخ الكلمة الأولى للتقليد في تقديم رأيه في الحداثة.
انعكست الآية…وصارت الحداثة تملي على التقليد طريقه وطريقته..
لقد تابعنا الملك يكسر الطابو وراء الآخر
وشمل ذلك حتى جوانب الحياة الخاصة، وبدأت علامات الإعجاب تحل محل علامات الاستفهام، واستردت الفئات الواسعة من الشعب والنخبة تفاؤل الإرادة في التغيير الذي تقوده الملكية ..باختيارات واضحة
وقد كانت البلاد أمام ثلاثة امتحانات على الأقل غير مسبوقة، سواء في الطبيعة أو في الدرجة:
سنة 2003، عندما كانت البلاد تسير نحو تطبيع المواعيد السياسية واحترام الاختيارات المنصوص عليها في الدستور، تحت سقف جديد مرتفع قليلا عن السقف الذي كنا نعيش تحته، هناك من قرر أن يدخلنا إلى نادي البلدان التي أصابها الإرهاب..
وعاشت البلاد ضربة غير مسبوقة في الحجم والطبيعة، وكانت التخوفات واضحة من أن يغلب رد الفعل ، على التفكير في المستقبلle reflexe prend le dessus sur la reflexion ولم يحدث ذلك، وتناولت البلاد الضربة ثم تقدمت نحو تطبيع العلاقة مع المواعيد السياسية ومنها الانتخابات وأيضا عدم زج البلاد في أي استثناء غير الاستثناء الإيجابي الذي لا يهددها.
كانت تلك أول بروفات الامتحان الرهيب الذي قدر للبلاد أن تواجهه والعهد الجديد لم يتجاوز بعد اربع سنوات.
تاريخ اختيار الضربات الهمجية لم يغب عن الأذهان، كان في البداية تاريخ عيد ميلاد ولي العهد 8 ماي، ثم انتقل ليضرب في عيد الميلاد الذي رأت فيه النور مؤسسات البلاد المركزية، الأمن والجيش وخلافهما.. 16 ماي.
كانت الرسالة تريد تركيع البلاد وأيضا تغليب مخاوفها على مستقبلها ولم يحدث ذلك.
وفاجأنا الملك من جديد عندما أقر بأن بعض الأخطاء ارتكبت عند معالجة الضربة المهولة، ووقتها تبين بأن الاسلوب الجديد أسلوب غير مسبوق ومؤسس لعلاقة أخرى مع حقيقة كما تعرِّفها الدولة وتعْرِفها ..
كنا وقتها قد دخلنا إلى منطقة التساؤلات الكبرى: أي علاقة للسياسة بالدين، وأي موقف يجب أن يكون لنا من التنشئة الدينية في البلاد وما هو موقعنا من الجغرافيا الجديدة للمقدس القاتل؟
وكان شافيا أن الإجابات كانت تاتي تباعا من أعلى سلطة في البلاد، ومن إمارة المؤمنين التي أرادها الملك الجديد حصنا للدفاع عن تموقعنا في عالم اليوم، وعن العقل في تحديد اختيارات التدين، وعن ثوابت التقدم نحو المزيد من الحرية وعن العقلانية في الاجتهاد وعدم السقوط في الحل البسيط، الانصياع لنداءات التقليد الذي يحاصر المجتمع .. وقد تبين ذلك في ترشيد الحقل الديني، وتجديد خطابه، وفي مقاربات شائكة لقضايا المرأة والمدونة والتعريف الجديد للهوية الروحية للمغاربة… كل ذلك كان في أجندة ملك يتفاعل مع الأسئلة بهاجس إيجاد الأجوبة الأفضل وليس الأسهل…

تعليقات الزوار ( 0 )

مواضيع ذات صلة

الخروج  اليوم عن المبادئ والقواعد والأعراف والتوافقات ترجمة لمنطق التغول : إلزامية عدم التراجع عن المكتسبات التي سبق إقرارها في النظام الداخلي

حتى  لا تتحول مجالس الحكامة الى آلية للتحكم

اليوم يفتتح ذ.إدريس لشكر المؤتمر الوطني لقطاع المحامين

الأغلبية تظهر «وحدة الواجهة ـ الفاصاد»، وواقع مكوناتها يؤكد ما قاله الاتحاد وكاتبه الأول..