عبد الحميد جماهري

من المفيد أن نواصل الاعتماد على نص الخطاب الأول، خطاب مابعد البيعة مباشرة، في الحديث عن التعاقد الذي وضعه ملك البلاد، بناء على حالة الأمة وقتها.
ففي خطابه الأول، تحدث الملك محمد السادس عن الفقر، بدون الحاجة إلى تلطيف التسمية، فهو يدرك أن العقد الذي كان بصدد عرضه، يستوجب تسمية الأشياء بمسمياتها، بدون ذلك فإن سوء التسمية يزيد من بؤس العالم.…
وكان لافتا أن القضية الموالية لقضية التعليم ، تجلت في حديث جلالته عن الفقر، وقال في الموضوع: ” سنولي عنايتنا كذلك إلى مشكلة الفقر، الذي يعانيه بعض أفراد شعبنا، وسنعمل- بمعونة الله وتوفيقه- على التخفيف من حدته وثقله. وفي هذا الصدد، كان والدي رحمه الله، قد شرفني بقبول اقتراح إنشاء مؤسسة اختار لها من بين الأسماء مؤسسة محمد الخامس للتضامن، تهتم بشؤون الفقراء والمحتاجين والمعوقين، عاهدنا أنفسنا على تفعيل دورها وإحاطتها بكامل الرعاية والدعم«…”.
والواضح، اليوم، أن الفقر وإشكاليته لم تعد مسألة مؤسسة محمد الخامس للتضامن وحدها، بل أصبحت في صلب التعريف المتجدد لوظيفة الدولة الاجتماعية..
أولا- كان واضحا أن العهد الجديد، يبني تعاقده الجديد على قاعدة مصالحة وطنية متعددة الأبعاد، مصالحة لطي صفحة الماضي وطي صفحات التوتر العالي في البلاد، لأجل شيء أكبر، وهو تنمية الإنسان، والرفع من جودة المؤشرات المتعلقة بالتنمية البشرية، ولا سيما منها الظروف الكفيلة بضمان العيش الكريم.
وكان للصراعات والتوترات دور كبير في إهدار الاحتياطي الوطني من أجل مواجهة التحديات الكبرى ومنها الشرط الاجتماعي للمغاربة، مع ما تعرفه وكانت تعرفه الأوضاع الخاصة بالفقر ببلادنا من مؤشرات سلبية للغاية.
ثانيا- تم التفكير في المعضلة من زوايا عديدة، لتحديد الحاجيات المجتمعية لفئات واسعة من أبناء شعبنا، صارت عرضة لكل أنواع التحايل السياسي، ولهذا كان لزاما أن يتم تحرير كل هؤلاء المغاربة من مخططات التسخير السياسي والانتخابي، وكما يمكن أن نفهم ذلك، كان لزاما حل معضلة الفقر كي تصبح السياسة ممكنة، بناء على قواعد اللعب المتعارف عليها، ولا يتم تحوير هذه القواعد لحسابات ضيقة…
ثالثا- لقد بان من خلال مجهود 20 سنة، أن المقاربات تنضج شيئا فشيئا، لمواجهة هذه المعضلة، وبذلك تم الإعلان عن الجيل الثالث من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، ورافع جلالته من أجل توزيع عادل للثروة، والذي تفرع عن سؤاله الشهير في إحدى الخطب السامية: أين الثروة؟
ودعا في خطاب العرش للسنة الماضية، إلى اعتماد السجل الاجتماعي الموحد، مشروعا اجتماعيا استراتيجيا وطموحا يهم فئات عريضة من الشعب المغربي.
واعتبر جلالة الملك أن “المبادرة الجديدة لإحداث السجل الاجتماعي الموحد بداية واعدة، لتحسين مردودية البرامج الاجتماعية، تدريجيا وعلى المدى القريب والمتوسط”، مبرزا أن هذا المشروع، الذي يندرج في إطار الاستمرارية، أكبر من أن يعكس مجرد برنامج حكومي لولاية واحدة، أو رؤية قطاع وزاري، أو فاعل حزبي أو سياسي.
وبهذا يكون الموضوع الذي أثاره جلالته من عشرين سنة، كأولوية كبرى كشفت الوتر الاجتماعي للتوجه الملكي، وقيامه على معالجة المعضلة الأساسية في مغرب يسير بأكثر من سرعتين..في مجال لا يحتمل أي تفاوت.
وفي هذا السياق، يلاحظ تحرر القاموس الملكي من أي تنميط، في وصف الحالة واعتماد مصطلح المتداول عند من يتناول القضية، مع حرص كبير على الحديث عن الفوارق الطبقية بدون لف ولا دوران..( خطاب البرلمان في أكتوبر 2017 تحدث بوضوح عن نموذج البلاد التنموي الذي لم يتمكن بعد من تلبية الحاجيات المتزايدة للمغاربة. ومن هذا المنظور، فإن الآليات الناجعة للعمل الاجتماعي، المقترنة بالتطبيق الفعال لمبدأ المحاسبة، أمران أساسيان من أجل تحقيق الهدف الطموح المتمثل في العدالة الاجتماعية والتقليص من الفوارق الطبقية.)
رابعا- دعا جلالته إلى بلورة نموذج تنموي جديد، يستجيب لفيض المطالب الاجتماعية، وتجاوز المعضلات المخجلة حقا في بلادنا.
وكان الإقرار بأن النموذج الحالي قد استنفد احتياطه التنموي، إيذانا بمجهود وطني شامل، لا يضاهيه في حجم الانخراط الجماعي فيه سوى الإعداد لدستور سنة 2011.
ولعل الملك أراد ذلك حين ذكر بأسلوب إعداد الدستور عند الحديث عن حوار وطني يشارك فيه الجميع حول النموذج التنموي. الجديد..
خامسا- أن حقيقة الفقر في المغرب، موضوع للتفكير الجدي وعدم التساهل مع تأثيراته. وقد أفادت دراسات البنك الدولي ومندوبية التخطيط بأنه على الصعيد الوطني، زاد معدل الإحساس بالفقر (وهي نسبة الأسر التي تعتبر نفسها فقيرة) من 41.8% في 2007 إلى 45.1% في 2014. وكانت أكبر زيادة في المناطق القروية، حيث ارتفع 15% ليصل إلى 54.3%، وهو ما يعني أن أكثر من نصف سكان الوسط القروي يعتبرون أنفسهم فقراء. ويصدق هذا أيضا على النساء (55.3%) وعلى الشباب الذين تقل أعمارهم عن 25 عاماً (57.6%)وبوجه عام، ترى 39.3% من الأسر أن الفقر زاد وتعتقد 63.9% أن التفاوت قد اتسع.
سادسا- تم طرح مشكلة الفقر مع سؤال الثروة، في خطاب الذكرى 15 لاعتلاء العرش. وللحقيقة، فقد كان الخطاب مثيرا للغاية، ومستفزا للركون الذي عرفته النقاشات حول الفقر والفقراء، وكان حتى بعض المخلصين من اليساريين، قد اعتبروا أن السؤال صار نوعا ما محالا إلى رتبة متأخرة في الأولويات!!
ملك المغرب، تساءل باستغراب مع المغاربة:
“أين هي هذه الثروة؟ وهل استفاد منها جميع المغاربة؟ أم أنها همت بعض الفئات فقط؟
وتحدث بلغة واصفة، إذ لاحظ خلال جولاته التفقدية بعض مظاهر الفقر والهشاشة، وحدة الفوارق الاجتماعية بين المغاربة……

تعليقات الزوار ( 0 )

مواضيع ذات صلة

الخروج  اليوم عن المبادئ والقواعد والأعراف والتوافقات ترجمة لمنطق التغول : إلزامية عدم التراجع عن المكتسبات التي سبق إقرارها في النظام الداخلي

حتى  لا تتحول مجالس الحكامة الى آلية للتحكم

اليوم يفتتح ذ.إدريس لشكر المؤتمر الوطني لقطاع المحامين

الأغلبية تظهر «وحدة الواجهة ـ الفاصاد»، وواقع مكوناتها يؤكد ما قاله الاتحاد وكاتبه الأول..