من الواضح أن ما تعرفه الساحة السياسية من فتور، ناتج عن الضبابية التي تميز العروض التي تقدمها العديد من الأحزاب، والتي بالرغم من اختلافها، إلا أنها غير واضحة، بالشكل الذي يجعلها قادرة على أن تشكل بدائل مختلفة، على مختلف المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، خاصة وأن تشكيلة الأغلبية الحالية، تعمق من هذه الضبابية.
ومن المعلوم أن الساحة السياسية تحتاج دائما إلى جدل متواصل، وسجال تحتدم فيه المشاريع والخلافات في الرأي والتصورات، من أجل إقناع المواطن بالمواقف المختلفة، في كل القضايا التي تهم الشأن العام، بل أكثر من ذلك، فإن الجدل والسجال، المستند على المعطيات والأفكار والمقترحات البناءة، هو الذي يدفع المواطنين للاهتمام بالشأن السياسي، والانخراط في التنظيمات والمشاركة في الانتخابات.
استمرار الفتور الحالي، في الساحة السياسية، التي لا تتصارع فيها المشاريع المجتمعية، سيؤدي حتماً إلى الملل الذي تثيره التموقعات الحالية، خاصة داخل الأغلبية الحكومية، التي تعمل جاهدة للحفاظ على تماسكها، وتجنب كل ما يمكن أن يخلخل التوازنات الهشة، التي تتحكم فيها، رغم أن هناك تصريحات وتحركات بعض الأطراف فيها، تؤكد أن الظاهر ليس هو الباطن.
ويمكن القول، إن تجنب الجدل والنقاش الصريح، حول المشاريع المجتمعية والتصورات الكبرى بخصوص التوجهات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، لا ينبغي أن يستمر، لأنه، بكل بساطة، يقتل السياسة، ويزكي نظرية التشابه المطلق بين الأحزاب، وينزع عنها جوهرها. فالأحزاب هي خط سياسي وتوجه إيديولوجي، قد يتفق بعضها، في محاور معينة، بحكم التقارب الفكري، ولكنها تظل مستقلة ومختلفة في تاريخها واختياراتها.
ما ينتظره المواطن، هو العرض السياسي المتميز، وليس البحث عن التوافقات التي قد تكون سطحية، إن لم نقل مغشوشة، فالواقع المعيش والتحديات الكبرى، المطروحة على مختلف المستويات، تفترض الاجتهاد أكثر في تقديم البدائل والدفاع عنها، ومجادلة الخصوم، لطرح التصورات والأفكار والمقترحات أمام المواطنين، حتى يختاروا بناءً على مشاريع مجتمعية واضحة.