رسمت الحكومة في اجتماع مجلسها الثلاثاء الماضي صورة مشروع قانون المالية الذي ستحيله على المؤسسة التشريعية، وهو مشروع يتزامن مع افتتاح ورش استراتيجي، أعلن عنه جلالة الملك في خطابه السامي بمناسبة افتتاح السنة البرلمانية الجديدة، وهو إعادة النظر في النموذج التنموي للمغرب.
للقوانين المالية، دور محوري في إرساء هذا النموذج، حتى يكون-بالفعل-منتجا أكثر للثروة، ولمناصب الشغل، وأيضا محققا للعدالة الاجتماعية.
التوجهات الكبرى لمشروع هذا القانون، حسب ما أفادت به الحكومة، تقوم على أربعة عناصر أسياسية:
-التوجه الأول، يتمثل في دعم القطاعات الاجتماعية (الصحة والتعليم والتشغيل ومحاربة الفوارق المجالية، مع إيلاء عناية خاصة للعالم القروي.
-التوجه الثاني، يتمثل في دعم التصنيع، ومواصلة مجهود دعم الاستثمار العمومي، ودعم الاستثمار الخاص،والمقاولات الصغرى والمتوسطة.
-ثم ثالثا، دعم، ومواصلة سياسة تنزيل الجهوية المتقدمة، ومواصلة إصلاح نظام الحكامة، وإصلاح الإدارة.
-ثم رابعا تسريع مسار الإصلاحات.
إن الحقل الاجتماعي بقطاعاته الرئيسة، أصبح مثقلا بمشاكل عدة، تثقل كاهل المواطن، وتقف في وجه تحقيق تنمية حقيقية، لذلك فالمطلوب اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، أن يحظى هذا الشق بأولوية في مشروع القانون المالي، وذلك من خلال سياسة مالية عادلة، وإجراءات منصفة، وتحسين القدرة الشرائية…
وإن مشروع مالية 2018 يتعين أن تبرز فيه، ومن خلاله، ملامح نموذجٍ تنموي، ينشده المغرب، أكد عليه جلالة الملك، نموذجٍ تنموي متكامل ومندمج…
قائم على التضامن الاجتماعي، والعدالة الترابية، والهيكلة العقلانية، والجاذبية الاستثمارية، نموذجٍ مستجيب للمعطيات الاقتصادية والمجتمعية الراهنة، ومسهم في تشجيع وتيرة التنافسية الاقتصادية، وتحسين القدرة الشرائية للمواطنين، وتشجيع الابتكار، وتقوية البعد الجهوي.
المغرب بحاجة اليوم، إلى نموذج تنموي يتأسس على الإصلاح الاقتصادي الشامل، الكفيل بتحقيق وتيرة نمو مناسبة ومنتظمة ومستدامة، ويتمحور حول تأهيل السياسة المالية، وتحسين الحكامة العمومية، بما يمكن من تقليص الفوارق الاجتماعية، وتحصين القدرة الشرائية للمواطنات والمواطنين، وإقرار العدالة المالية والإنصاف الاقتصادي. ‬‬‬‬‬
ومن بين دعامات هذا النموذج، سياسة مالية ناجعة، يؤطرها عقلنة المصاريف، وإعادة توجيه نفقات الاستثمار، عبر تقليص نفقات التسيير من خلال عقلنتها، وإعادة هيكلتها بالنسبة لكل القطاعات، والزيادة في نفقات الاستثمار العمومي (البنية التحتية الأساسية)، وإقرار سياسة قائمة على مبدأ العدالة المجالية من خلال ضمان توزيع أفضل للاستثمار العمومي بين الجهات..
ولتحقيق ذلك، فإن من مهام قانون مالية، منسجم مع هذه التطلعات، بلورة سياسة جبائية عادلة، ومتضامنة، قوامها إرساء إطار ضريبي مستقر، ومباشرة إصلاح ضريبي عادل ومنصف، يكون قادرا على ضمان إعادة التوزيع، من خلال القضاء على الملاذات الضريبية، وإصلاح الضريبة على الشركات والأجور، وإعادة هيكلة الضريبة على القيمة المضافة.
لذلك، نأمل أن تكون مناسبة مناقشة مشروع قانون المالية بالبرلمان، مناسبة لبلورة أبرز أسس النموذج التنموي الذي ننشده، وأن يكون مستقبل المغرب حاضرا بقوة، بنفس حضور التشخيص والنقد الذي يطال السياسات العمومية والمؤسسات…