القرارات التي اتخذها جلالة الملك بشأن تدبير المشروع الاستراتيجي منارة المتوسط، تعد سابقة في الحياة السياسية الوطنية، نظرا لأنها تندرج في إطار ربط المسؤولية بالمحاسبة، المبدأ الذي تمت دسترته، وشدد جلالته في أكثر من خطاب على ضرورة تفعيله خاصة في مجال الشأن العام.لقد اعتمد جلالة الملك منهجية واضحة وشفافة بناء على اختصاصات دستورية، وعبر محطات أبرزها المجلس الوزاري لشهر يوليوز الماضي، الذي عبر فيه عن غضبه واستيائه وانزعاجه وقلقه، بخصوص عدم تنفيذ المشاريع التي يتضمنها هذا البرنامج التنموي الكبير، الذي تم توقيعه تحت الرئاسة الفعلية لجلالته، بتطوان في أكتوبر 2015، في الآجال المحددة لها. وتكليف لجنة بالأبحاث والتحريات اللازمة بشأن عدم تنفيذ المشاريع المبرمجة، وتحديد المسؤوليات، مرورا بخطاب العرش الذي شكل لحظة انتقاد عميق لأداء العديد من المؤسسات، فدعوة المجلس الأعلى للحسابات بإنجاز تقرير وتحديد المسؤوليات …
القرارات، استندت إلى خلاصات المجلس، والتي تتلخص كما تضمنها بلاغ الديوان الملكي أن التحريات والتحقيقات التي قامت بها هذه المؤسسة الدستورية أثبتت وجود مجموعة من الاختلالات تم تسجيلها في عهد الحكومة السابقة، كما أبرز التقرير أن عدة قطاعات وزارية ومؤسسات عمومية لم تف بالتزاماتها في إنجاز المشاريع، وأن الشروحات التي قدمتها، لا تبرر التأخر الذي عرفه تنفيذ هذا البرنامج التنموي. وتتمثل هذه القرارات في اتخاذ مجموعة من التدابير والعقوبات، منها إعفاء أربعة وزراء حاليين ومدير عام مؤسسة عمومية و عدم رضاه عن خمسة وزراء سابقين، لإخلالهم بالثقة التي وضعها فيهم، ولعدم تحملهم لمسؤولياتهم، مؤكدا جلالته أنه لن يتم إسناد أي مهمة رسمية لهم مستقبلا .
إنها قرارات تعد مرجعا إذن، في منهجيتها وتأكيدا على مأسستها كما عبر عن ذلك بلاغ الديوان الملكي الذي تضمن عناصر ذات الأهمية بمكان تدشن بالفعل لعهد جديد من ربط المسؤولية بالمحاسبة وتجسيد لها:
أولا، أصدر جلالته توجيهاته السامية لأخذ العبرة من المشاكل التي عرفها البرنامج التنموي منارة المتوسط، لتفادي الاختلالات والعوائق التي قد تعرقل إنجاز الأوراش التنموية بمختلف جهات المملكة.
ثانيا، جدد جلالة الملك الدعوة لاتخاذ كافة الإجراءات التنظيمية والقانونية، لتحسين الحكامة الإدارية والترابية، والتفاعل الإيجابي مع المطالب المشروعة للمواطنين، في إطار الاحترام التام للضوابط القانونية، في ظل دولة الحق والقانون…
ثالثا،أن هذه القرارات الملكية تندرج في إطار سياسة جديدة، لا تقتصر على منطقة الحسيمة فقط، وإنما تشمل جميع مناطق المغرب، وتهم كل المسؤولين على اختلاف مستوياتهم، في نطاق إعمال مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، وتحفيز المبادرات البناءة، وإشاعة قيم الوطنية الحقة والمواطنة الملتزمة بخدمة الصالح العام .
إنها إذن قرارات في مستوى اللحظة التي يعيشها المغرب ، قرارات تدعم أوراش الإصلاح، وتعزز التوجه الوطني من أجل بناء دولة الحق والقانون.