يطرح النموذج التنموي الصيني، تحديات كبيرة على النظريات السياسية السائدة، التي تعتبر أن الديمقراطية الليبرالية، التي ترتكز على التعددية الحزبية والانتخابات الحرة وغيرها من ركائز النموذج السياسي الليبرالي،والتي أنتجها الفكر الغربي، هي الطريق الأمثل لتحقيق التطور الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، في الوقت الذي نجد فيه دولة مثل الصين يحكمها حزب وحيد، هو الحزب الشيوعي، غير أنها أصبحت قوة اقتصادية عالمية.
من المؤكد أن الصين دخلت تجربة السوق من بابها الواسع، لكنها حافظت على التنظيم المركزي الشيوعي، في نظامها السياسي، بكل ما يطرحه من إشكالات، بخصوص التعددية وحرية التعبير وحقوق الإنسان، لكن هذا البلد نجح في أَن يتحول إلى أكبر منافس للبلدان الغربية الغنية، التي تجسد النموذج الديمقراطي الليبرالي، والتي تدافع عن كونيته، ليس على المستوى السياسي فحسب، لكن أيضا على مستوى نجاعته الاقتصادية والاجتماعية.
تدعو هذه المفارقات للتفكير والتأمل في النموذج التنموي، الذي يمكن أن يكون ملائما لبلادنا، التي هي أقرب، نظرياً، إلى النظام الديمقراطي الليبرالي، منها إلى النموذج الصيني، فما هو العامل الحاسم في نجاح النظامين؟ في اعتقادنا، إنها النجاعة والحكامة والاستغلال الأمثل للموارد البشرية.
وإذا كان المغرب قد اختار النظام التعددي، وليس نظام الحزب الوحيد، فإنه مع ذلك لم يصل إلى الاستغلال الأمثل لإيجابيات النظام الديمقراطي، والتي تتمحور حول الشفافية والحكامة والتمثيلية الانتخابية الديمقراطية والتعامل الجيد مع الطاقات البشرية، وغيرها من مقومات النجاعة الضرورية في التدبير والتسيير، والتي تساعد على التخفيف من عوائق التخلف من قبيل البيروقراطية الثقيلة والرشوة والفساد والتبذير وإضاعة الوقت والفرص…
لذلك علينا أن نسائل اليوم نموذجنا السياسي، قبل أن نسائل نموذجنا الاقتصادي والاجتماعي، لأن السياسي هو الذي يتحكم في الإدارة والتدبير والتسيير والتخطيط واتخاذ القرارات، ومن الواضح أن المغرب يحتاج إلى مراجعة هذا النموذج، للتخلص من عوائقه، ومن أبرز مظاهرها اللاكفاءة وضعف النجاعة.