حسن السوسي

التريث قبل اتخاذ القرار والموقف السياسي من قضية من القضايا هو عين الحكمة متى تم التعامل مع القضية المعنية بما ينبغي من الصرامة في مقاربتها من مختلف زواياها وعناصرها الاساسية التي ينبغي النظر اليها في ديناميكيتها وترابط حلقاتها رغم التفاوت بينها أهمية.

غير ان التريث المحمود، في اتخاذ القرار والموقف، قد يتحول، في غفلة من الفاعل السياسي، الى تردد مناويء للفعل السياسي ذاته، ومضر بمصالح المترددين، قبل غيرهم، إذ يصبحون غير قادرين على مواكبة تطورات الواقع، وبالتالي، غير قادرين على الإلمام بها، فأحرى ان تكون لديهم القدرة على التعامل معها بما يضمن لهم التأثير فيها باعتباره غاية كل ممارسة سياسية. وليس ليغير من هذا الأمر شيئا ارتباط خطة التأثير بالمدى القريب او المتوسط او المدى البعيد. ذلك ان الاختلاف الوحيد الذي يمكن رصده بين هذه الآفاق مرتبط بوتيرة الممارسة وإيقاعها بحسب درجة ملحاحية التدخل السياسي واستعجاله، وبحسب كون الممارسة مندرجةً في اطار مرحلة سياسية بأكملها.

تسري هذه القاعدة العامة على كل فعل سياسي أيا كان مصدره في تراتبية هرم اي مجتمع سياسي كان. اذ ان السلطة السياسية معنية بها في تعاطيها مع الحقول التي تعود الى اختصاصها كما هو امر الاحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني ومختلف المؤسسات بحسب ما ينص عليه الدستور وتنظمه القوانين على تعدد مساطرها.

غير ان هذا التأطير العام هو تأطير لحالة مثالية، يقوم فيها كل الفاعلين المنظمين بأدوارهم، بكل حرص ومسؤولية وابداع، لتفادي الاختلالات المؤثرة على مجرى حياة المجتمع والدولة على المستويين الداخلي والخارجي.

ولأنها مثالية، او نموذج ذهني مستقبلي، فإنها من الندرة بمكان، حيث ان الواقع يشي بأن الاهتزازات والاختلالات هي التي ينبغي معالجتها من قبل تلك القوى، وبالتالي، فان عليها التعرف على طبيعتها في مختلف أبعادها للتمكن من معالجتها بطريقة شمولية لا تهمل كل ما يمكن ان يؤثر في ذلك، على اعتبار ان التسرع والارتجال في هذا المجال، هو العدو الأكثر خطورة على الممارسة السياسية

يعكس هذا الأمر طبيعة ودرجة مسؤولية كل هذه الجهات الفاعلة في مجالات التدبير ووقاية ومواكبة وتدخل مباشر او غير مباشر، حيث تحظى المؤسسسات التنفيذية بالدور الأبرز، مقارنة مع غيرها من المؤسسات، على اعتبار انها مخولة، دون غيرها، بهذا الجانب من العمل والفعل السياسي. كما انها تحتكر قانونا، كل الموارد الضرورية للقيام بدورها، ويمكن لها العمل على إيجاد موارد ضرورية عند الاقتضاء بشتى الوسائل، بما في ذلك استحداث ضرائب استثنائية لمواجهة الطواريء بمختلف اشكالها او اعادة النظر بما هو موجود فيها لجهة الرفع من من مردوديتها.

انطلاقا من هذا يمكن القول ان الحكومة المغربية باعتبارها الهيئة التنفيذية المركزية المعنية بتدبير شؤون البلاد على مختلف المستويات هي المخاطب الأساسي بالنسبة لحراك الريف بمختلف ابعاده الاجتماعية والتنموية، وفِي سياق إدراكها لهذا الدور، تحركت للتعامل الإيجابي مع مطالب الحراك التي تندرج ضمن الحقوق والتطلعات المشروعة لساكنة الريف.
وقد تبين من خلال حزمة الحلول التي تقدمت بها الحكومة ان مرحلة ما قبل تدخلها المباشر لم تكن مرحلة من الزمن الضائع، وانما هي مرحلة محاولة فهم طبيعة الأوضاع السائدة في الحسيمة ومنطقة الريف، وطرق معالجتها بشكل سليم يؤمن التطور والتنمية للمنطقة ويحافظ على أمن واستقرار المواطنين المغاربة في الريف، ويبعد البلاد من اي سيناريو غير متحكم فيه شعبيا ووطنيا.
وليس بعيدا عن هذا المنطق، من التريث الحكيم، سلوك الاحزاب السياسية الوطنية ذات الارتباط التاريخي مع مطالب الشعب بمختلف فئاته الاجتماعية وخاصة الكادحة والمهمشة منها لأنها لم تتسرع في اصدار الأحكام الجاهزة سلبا او ايجابا من حراك اجتماعي في مرحلة الفرز بين مطالبه ومقاصده، الى ان توضحت الأمور بما جعل من اعلان موقفها المساند للحراك في بعده المطلبي المشروع، تطورا نوعيا باتجاه انجاز عملية الفرز بين ذوي المطالب الحقيقية وهم الأغلبية الساحقة من المواطنين في الريف وذوي المطالب التي لا تندرج ضمن إطار اي ملف مطلبي مقروء بشكل واضح يمكن التفاعل معه بشكل آني بل يندرج ضمن سياق آخر تماما وليس ضمن جدول اعمال جماهير الحراك في أغلبيتها الساحقة.
وقد كان موقف المؤتمر الوطني العاشر للاتحاد الاشتراكي من حراك الريف نوعيا من حيث انحيازه الى مطالب الشعب وتمسكه بثوابت العمل الوطني المسؤول والمفتوح على المستقبل الذي يعتبر العمل الجماهيري صمام امانه.
ولعل ما سمح باتخاذ هذا الموقف هو التريث الذي تميز به في تقييم الحراك الأمر الذي ميزه عن مواقف بعض من اعتبروا انهم وجدوا ضالتهم في هذا الحراك لتدبيج متون هجاء معتوه في حق الأحزاب الوطنية وكل رموز الدولة ومؤسساتها.اي بكلمة في حق الوطن.

تعليقات الزوار ( 0 )

مواضيع ذات صلة

الكاتب الأول في المؤتمر الإقليمي الرابع للحزب بزاكورة:نحن في حاجة إلى أن نحافظ على وحدتنا، وبلادنا كما يشاهد الجميع قدمت دروسا لجيراننا

الفدرالية الديمقراطية للشغل تحتفل بالعيد الأممي فاتح ماي بطعم الاحتجاج

 إدريس لشكر، الكاتب الأول للحزب: الحكومة تخلط بين الحوار والمقايضة ولا تميز بين الزيادة العامة في الأجور وإصلاح نظام التقاعد!

الكاتب الأول في المجلس الجهوي الموسع بجهة مراكش آسفي .. حصيلة الحكومة: تحقيق أرقام قياسية خطيرة في البطالة والهشاشة