قـدٓمَ الخطاب الملكي، بمناسبة الذكرى الثامنة عشرة لعيد العرش، تشخيصاً للعديد من الأوضاع، سواء تلك التي تتعلق بالمعضلات الاجتماعية أو تلك التي تهم الإدارة العمومية أو حول المشهد الحزبي، ورغم اختلاف هذه القضايا في منطق الشأن العام، لأن كل واحد منها يهم مجالاً خاصاً به، إلا أن الخطاب خصص لها حيزاً هاماً من الاهتمام والنقد والمكاشفة، لأنه اعتبرها من معيقات التنمية والتقدم.
ويمكن القول إن الصورة العامة التي كشف عنها الخطاب الملكي، لا تختلف كثيراً عن الصور المألوفة في بلدان العالم الثالث، سواء فيما يخص المشاكل الاجتماعية البنيوية والمزمنة، أو مشاكل البيروقراطية الإدارية والمحسوبية التي تسودها، بالإضافة إلى العاهات المستديمة التي تستفحل في الحياة السياسية.
لقد وضع الخطاب الملكي الأصبع، بنجاح، على أخطر مشاكل العالم الثالث، التي تتمثل في الإعادة المتواصلة لإنتاج بنية التخلف، والتي تتمحور حول تفاقم الفوارق الطبقية وتفقير الفئات المتوسطة، في ظل نظام إداري يحتقر حقوق المواطن ومقتضيات الخدمة العمومية،ويجعل من الوظيفة منبعاً للريع والرشوة.
وبموازاة هذه المنظومة الاجتماعية والإدارية، فإن الحياة السياسية تكرس هذا الوضع، رغم محاولات بعض الأحزاب والهيئات النقابية والجمعوية، تجاوزه وتقديم بدائل ديمقراطية، إلا أنها تجد نفسها أمام حاجز حديدي، يدفع العديد منها إلى الانهيار والقبول بقواعد اللعبة.
و في نهاية المطاف، تتوجه الأوضاع إلى حلقة مفرغة، فلا النظام الاقتصادي والاجتماعي يتطور لخلق نماذج مجتمعية جديدة، ولا الإدارة قادرة على تجاوز معيقاتها للمساهمة في التنمية وتقدم المجتمع، وليست هناك بدائل سياسية لإحداث قطيعة، بشكل إيجابي، يسير نحو التحديث والدمقرطة والاستقرار.
تشخيص الوضع بنجاح، يتطلب تقديم بدائل بنجاح، فما بعد التشخيص أمر معقد، ولا يمكن استسهاله، كما يحصل في التعليقات المتداولة في الشبكات الاجتماعية، لأن إحداث تغييرات هيكلية، في بنيات التخلف، ليس بالمهمة الهينة، لأنها تحتاج إلى إرادة سياسية، وتوافقات تاريخية، وتضحيات كبيرة، كما يحصل في كل المراحل الانتقالية.