20 يونيو 2017

يونس مجاهد
هناك مقاربات متعددة للاحتجاجات التي تحصل في الحسيمة، منها من يعزو أسبابها إلى تدخلات معينة، ومنها من يحاول أن يضفي عليها طابع الانتماء للريف، بحمولته التاريخية والثقافية، ومنها من يعتبرها ثمرة حتمية للخصاص الاقتصادي والاجتماعي، والتهميش الذي عانت منه المنطقة، في الفترات السابقة، غير أنه بالإضافة إلى كل هذا، هناك محاولات أخرى، لتفسير ما يجري، عبر مناهج تُغٓلّبُ العوامل السوسيولوجيّة، كحتميات، إذا توفرت أسبابها فإنها تؤدي، تقريبا إلى نفس النتائج.
من بين هذه المقاربات من اعتبرت أن النسبة العالية من النمو الديمغرافي، إذا انضاف اليها الفقر والظلم الاجتماعي والفوارق الطبقية الفاحشة والفساد، فإن الثورة أو التمرد على الأنظمة، يكون حتمياً، وهي خلاصة الدراسة التي قام بها باحث فرنسي، سنة 2015، لوران شالار، وقدمتها بالعربية إحدى الجرائد الرقمية المغربية.
غير أن البعد الديمغرافي في تفسير الحركات الاجتماعية، تجاوز مسألة زيادة نسبة الولادات، وحدها، كعامل من عوامل الانفجارات، إذ اعتمد عناصر أخرى أكثر تعقيداً، من قبيل بنية الأسرة ونسبة التعلم، وخاصة بين النساء، والعلاقات بين الجنسين، في محاولة، لرسم خرائط التحولات المجتمعية، عبر معايير تكاد تكون حتمية، مثلما فعل الديمغرافي والمؤرخ الفرنسي، إيمانويل طود.
صحيح أن زيادة عدد الولادات، ووصول أعداد كبيرة من الشباب إلى سوق الشغل، والضغط الهائل الذي يحصل على الخدمات العمومية، من تطبيب ونقل وسكن… يؤدي إلى توترات متواصلة، لا يمكن التصدي لها بأي سياسة أمنية، مهما كانت قوتها، غير أن العوامل التي تعتبر حاسمة في التغيير، هي تلك التي تحدث انقلابا في إدراك الناس لعلاقتهم بمحيطهم الاجتماعي ونظرتهم لأدوار الدولة ووظائفها، وتحليلهم للأوضاع الطبقية، وموقفهم من مظاهر الفساد، وغيرها من تجليات الوعي السياسي.
يعتبر طود، أن المجتمعات تتغير، بسبب عدة عوامل، منها ما يحدث في بنية الأسرة، التي تصبح صغيرة ونووية، نتيجة انخفاض الخصوبة، مما يؤثر على نوعية العلاقات الاجتماعية، التي تنتقل من ضغوطات الأسرة الممتدة، إلى علاقات أكثر فردانية وتحررًا، وحيث يتجاوز معدل محاربة الأمية، نسبة 50 في المئة، خاصة بين النساء، وغيرها من المؤشرات الديمغرافية، التي تجعل الشخص قادراً على القراءة والكتابة وإدراك حادٍ بما يجري حوله. يؤدي هذا حتماً إلى التغيير، كما حصل في عدة بلدان، منذ القرن الثامن عشر.
هل نحن أمام حتميات تاريخية، لا يمكن رَدّها، كما لو كانت قدرًا مكتوباً، وانضاف إليها عامل جديد هي تقنيات التواصل الحديثة؟ أم أن الإرادوية، التي تدرك الواقع بشكل واضح، دون غشاوة، يمكنها تجنب الانفجارات، والتجاوب مع المتطلبات الحتمية؟

تعليقات الزوار ( 0 )

مواضيع ذات صلة

وفد عن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية يشارك النسخة الثانية من المنتدى الدولي للبرلمانيين الشباب الاشتراكيين والديمقراطيين الاجتماعيين بكولومبيا

الكاتب الأول إدريس لشكر: ضرورة نهضة حقيقية لمنظومة التربية والتكوين لتنزيل الإصلاحات وتفعيل القانون الإطار

عبد الرحيم شهيد : الحكومة الحالية ذات التوجه الليبرالي ليس لها نفس سياسي ديمقراطي

الكاتب الأول في المؤتمر الإقليمي الرابع للحزب بزاكورة:نحن في حاجة إلى أن نحافظ على وحدتنا، وبلادنا كما يشاهد الجميع قدمت دروسا لجيراننا