سعيد جعفر

عضو المجلس الوطني للحزب

نصت التوصية الثامنة من بيان المجلس الوطني دورة 27 شتنبر 2018 على “أن قضايا التربية والتعليم والتكوين قضايا مصيرية لمستقبل البلاد، ولا ينبغي أن تعالج بأي منظور سياسي/إيديولوجي أو بالتوافقات الشكلية، بل بالإحتكام إلى التطور الذي يفرضه العالم في مجالات العلم والفكر والمعرفة والتطور التكنولوجي الأمر الذي يتطلب إصلاحات هيكلية عميقة من أجل مدرسة عمومية وطنية حداثية، تضمن تكافؤ الفرص بين أبناء الشعب، وتوفير العدالة في دراسة اللغات الأجنبية للجميع والجودة في التدريس بشكل متساو، وتلعب دورا إيجابيا في التنشئة الإجتماعية.

وفي هذا الإطار يجدد موقفه بخصوص السهر على تنفيذ إجبارية التعليم الأساسي وجودته.

(…) كما لا يتخلى عن المبادئ التي شكلت مرجعيته السياسية والاجتماعية وعلى رأسها مجانية التعليم كحق من حقوق الشعب المغربي، وإلتزام تعاقد من طرف الدولة مع المجتمع لا يمكن التراجع عنه”.

تحكم موقف الاتحاد من المسألة التعليمية أطر مرجعية وفلسفية ارتبطت بولادته وبتشكل ادبياته الكبرى في الدولة الوطنية و طبيعة الحكم والدستور، معتبرا أن المدرسة العمومية هي من تصنع الدولة والمؤسسات و السياسة ككل.

ولهذا كان أفق مدرسة عمومية وطنية حداثية قائمة على مبادئ المجانية والإجبارية وتكافؤ الفرص أفقا عاما حكم موقف الحزب منذ تأسيسه في 1959 و استمر فيه في 1975 وعمل على تنفيذه من موقع تدبير الشأن العام في 1998.

لماذا إذن ينبه الحزب في 2018 إلى أن قضايا التربية والتعليم والتكوين “قضايا مصيرية لمستقبل البلاد ولا ينبغي أن تعالج بأي منظور سياسي/إيديولوجي أو بالتوافقات الشكلية؟”؟

إن هذا التنبيه في 2018/2019 مهم لأسباب ذاتية وموضوعية.

ذاتية لأن هذا الحزب كان منذ تأسيسه ملتصق بقضايا التربية والتعليم والتكوين من موقع النقابات ( نقابة التعليم المدرسي ونقابة التعليم العالي) ومن موقع تدبيره للقطاع في حكومة التناوب وما تلاها، وأيضا من خلال التراكم الفكري والبحثي والاقتراحات التي راكمها مفكروه وأطره ولجانه الوظيفية.

وبناء على هذا التراكم التدبيري والنقابي والفكري والوظيفي والسياسي فهذا الحزب يحق له “تسجيل نقطة نظام” في وجه التجاوزات التي تحدث خصوصا منذ 2011.

موضوعيا حدثت حالة “استنفار” قصوى منذ 2011 مرتبطة بالوضع الدولي والإقليمي وما كان له من تداعيات داخلية، وهي الوضعية التي سمحت بإختراقات للمشهد السياسي بشكل عام فرضت إعادة ترتيبه وترتيب قوانينه وأولوياته حيث أصبحنا أمام واقع الإيديولوجي الخاص قبل الوطني العام وهو الواقع الجديد الذي إخترق كل المجالات و أصبح مهيمنا على قطاع التربية والتعليم والتكوين الذي كان من المفترض أن يبقى مجالا محايدا كمجال للعلم والمعرفة وليس مجالا للتدافع السياسي بين الفرقاء السياسيين والإجتماعيين خصوصا.

لقد كان موقف الاتحاد تاريخيا من المدرسة العمومية موقفا إيجابيا كمدرسة عمومية وطنية حداثية تنخرط في المتطلبات الدولية بحيث تنعكس إيجابا وبشكل ديمقراطي على كل بنات وأبناء الشعب المغربي، وهو الموقف الذي سيوحد إلى حدود 2002 تقريبا مواقف كل الفاعلين السياسيين المركزيين و غيرهم من خلال ميثاق التربية والتكوين.

لكن بروز فاعل سياسي بخلفيات هوياتية ظاهرة بدأ يضعف هذا التوافق الوطني حول مدرسة عمومية وطنية حداثية ليغرق المشهد في مطالب ونقاشات سوريالية من أجل مدرسة عمومية تستجيب للهويات الحضارية والدينية تركز على اللغة العربية و الدراسات الدينية أو على تعليم الدارجة والتعليم باللغة العامية.

ورغم كل تنبيهات الاتحاد منذ 2007 خصوصا إلى أن هذه التفصيلات في شكل و لغات التعليم غير صحيح لأنه يخالف وظيفة المدرسة العمومية كإطار للعلم و المعرفة فإن حمأة الإيديولوجيا و ضغط المكاسب الإنتخابية والسياسية، وتفاوت قوى الموازين جعل صوت الاتحاد في الموضوع خافتا ولم يستطع تغيير طبيعة النقاش كما لم ينجح في إعادة الأمور إلى نصابها كما لم يجاريها كحزب متزن يحترم منطلقاته ومبادئه الجامعة.

وباختياره المعارضة في 2011 جعل الاتحاد من المدرسة العمومية الوطنية الحداثية هدفه العام و عارض من أجلها من داخل أجنحته النقابية و البرلمان و المجلس الأعلى للتعليم ونجح في حدود في توقيف النقاش المغلوط حول لغات التدريس والموقف من الفلسفة والأمازيغية وغيرها من المواد رغم الحملات الفولكلورية التي كان يقوم بها رئيس الحكومة نفسه وداخل المؤسسة التشريعية ( تقريعه لوزير التربية الوطنية السابق السيد رشيد بلمختار في موضوع البكالوريا الدولية والتعليم بالفرنسية).

تنبيه 2018  مهم كذلك لأن وضعية التعليم اليوم تحتاج هدوء و تركيز ووطنية خالصة، فالمزايدات المتسارعة و الحسابات السياسية الإيديولوجية والترضيات والتوافقات التي تمت وتتم ارتباطا بحالة الاستنفار والإرتخاء منذ 2011 لم تعد ضرورية وملزمة،

والمطلوب اليوم هو “الاحتكام إلى التطور الذي يفرضه العالم في مجالات العلم والفكر والمعرفة والتطور التكنولوجي”.

إن الدولة والطبقة السياسية وهما مقدمتين على مناقشة القانون الإطار للتعليم والتكوين مطالبتين “بإصلاحات هيكلية عميقة من أجل مدرسة عمومية وطنية حداثية تضمن تكافؤ الفرص بين أبناء الشعب وتوفير العدالة في دراسة اللغات الأجنبية للجميع والجودة في التدريس بشكل متساو”.

وهنا لا بد من التذكير بمخرجات المجلس الوزاري الذي ترأسه جلالة الملك والذي أوصى بتعزيز العرض التكويني في التكنولوجيات وإعادة ترتيب التكوينات في التكوين المهني في آجال محددة.

كما نذكر بمقترحات الحزب في دورة المجلس الوطني من خلال كلمة الكاتب الأول بضرورة الإبقاء على مجانية التعليم و إجبارية التعليم الأساسي والإبقاء على اللغة العربية كلغة أساسية مع تشجيع تعليم اللغات والتدريس بها ،وتعويض العائلات التي تدرس أبناءها وبناتها في التعليم الخصوصي في حدود 5000 درهما.

فالمدرسة هي أهم قنوات التنشئة الاجتماعية باعتبار أن الأطفال الناشئين يقضون في المدرسة ثلث اليوم وبالتالي فثلث معارفهم وسلوكاتهم وأفكارهم وتصوراتهم وطموحاتهم يستمدونها من المدرسة وبناء عليه لا يمكن حشر هؤلاء الناشئين الذين سيشكلون رجال ونساء الغد في معارف لا تناسب عصرهم و ضرورات عصرهم.

فاللغات اليوم تشكل عائقا أمام ابناء الطبقات الشعبية الفقيرة والمتوسطة وقد أثبثت التجربة أن بداية فشل الناشئين والناشئات هي بالضبط النقط الضعيفة التي يحصل عليها التلاميذ والتلميذات من أبناء الطبقتين الفقيرة والمتوسطة في الإمتحان الإشهادي الجهوي للسنة الأولى ثانوي مقارنة بنظرائهم من أبناء الطبقات الميسورة، والتي تنعكس على معدلاتهم العامة في البكالوريا وبالتالي على حظوظ ولوجهم للمدارس العليا للهندسة والطب و الإحصاء التطبيقي والتجارة وغيرها.

ولهذا لا بد من “مدرسة عمومية وطنية حداثية تضمن تكافؤ الفرص بين أبناء الشعب وتوفير العدالة في دراسة اللغات الأجنبية للجميع والجودة في التدريس بشكل متساو والمجانية والإجبارية في التعليم الأساسي”.

تعليقات الزوار ( 0 )

مواضيع ذات صلة

الخروج  اليوم عن المبادئ والقواعد والأعراف والتوافقات ترجمة لمنطق التغول : إلزامية عدم التراجع عن المكتسبات التي سبق إقرارها في النظام الداخلي

حتى  لا تتحول مجالس الحكامة الى آلية للتحكم

اليوم يفتتح ذ.إدريس لشكر المؤتمر الوطني لقطاع المحامين

الأغلبية تظهر «وحدة الواجهة ـ الفاصاد»، وواقع مكوناتها يؤكد ما قاله الاتحاد وكاتبه الأول..