الاتحاد الوطني للقوات الشعبية

   اللجنة  الإدارية الوطنية

 

مذكرة الاتحاد الوطني جوابا على رسالة

رئيس الدولة المؤرخة في 23 شتنبر 1972

 

يجتاز المغرب أزمة خطيرة لم يسبق لها نظير. فكل الفئات الاجتماعية في المدن كما في البوادي، تعرب عن قلقها العميق إزاء مستقبل البلاد القريب.

إن هذه الوضعية تجعل في أزمة ثقة، فالشعب المغربي – وبخاصة الطبقات الأكثر حرمانا منه، والتي تشكل الأغلبية الساحقة من السكان- فقد الثقة في النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي، الذي ساد البلاد منذ أزيد من عشر سنوات، والذي يتحمل وحده مسؤولية الوضعية المتدهورة التي يعيشها ويعاني منها الجميع.

وليس هناك من سبيل لإعطاء نوع من الاعتبار لخطب ووعود الحاكمين إلا بتغيير جذري لمفهوم الحكم نفسه ولمختلف مراكز التقرير. فهذه الخطب والوعد أصبحت تستقبل بحذر بل أنها تساهم في إعطاء الجماهير المستغلة وعيا أكثر وضوحا، بأن هذه المناجاة المكررة بأشكال مختلفة حسب الظروف لم تعد تستحق أي اعتبار.

ومع ذلك فقبل محاولتي الانقلاب{ في 10 يوليوز 1971 و16  غشت 1972} بكثير ، كانت البوادر الأولى للأزمة ملموسة في كل مكان . فأحداث 1965 التي تجتمع خلالها في مختلف مدن المغرب بكيفية تلقائية، وطيلة عدة أيام، عشرات الآلاف من المتظاهرين من العمال والطلاب والعاطلين والتلاميذ والآباء ليعبروا عن رأيهم ويدينوا نظام الاستغلال والقمع والرشوة- ان هذه الأحداث قد كشفت آنذاك عمق التذمر وسعته. ومعروف أن تدخل الجهاز العسكري البوليسي كان هو الجواب الدموي عن المطامح المشروعة للشعب، وهو جواب أسفر عن عدة عشرات من القتلى.

إن خطورة الساعة التي تم حولها الإجماع فيما يبدو، ليست مجرد نتيجة ل” حادثة سير” بل انها تبلور خيبات الأمل المريرة التي تراكمت طيلة أزيد من عشر سنوات.

فنالك بعض المعطيات التي تبرز هذه الحقيقة المأساوية:

–         ما يقرب من 5℅من السكان يحصلون على 45 الى 50  من الدخل الوطني. وقد تفاحشت هذه الوضعية تفاحشا كبيرا أثناء التصميم الأخير باعتراف الأوساط الرسمية نفسها، وأن التحقيق الأخير عن الاستهلاك العائلي الذي يترجم مفارقات الدخل قد أظهر:

–         – أن دخل 10 ℅ من العائلات الأكثر ثراءا  كسنة 1959-1960 يفوق سبع مرات دخل 10℅ من العائلات الأكثر حرمانا، وبعد اثنتى عشر سنة أصبح يفوق بأكثر من 12 مرة.

–         ان مفارقات الدخل في ما يسمى بالقطاع العصري للاقتصاد لا تقل إثارة الانتباه، فمن مجموع الأجور الموزعة{ باستثناء رواتب الموظفين} هناك 51 ℅ من الأجيرين لا يقتطعون سوى 17℅من مجموع الأجور بينما يقتطع 11 ℅ زهاء 45℅  من الأجور الموزعة.

–         وفي مجال التعليم وتكوين الأطر، فإن تأخرنا بالنسبة لبلدان المغرب لم يعد في حاجة إلى تذكير. فبالنسبة المتوسطة للنمو، ولعدد المدرسين كان طيلة السنوات الأخيرة لا يكاد يصل الى 3,4 ℅في السنة في حين أنها كانت تتراوح ما بين 7و8 ℅ سنويا في البلدان العربية الأخرى ولنفس الفترة.

وأخيرا، فإن نسبة التلاميذ المسجلين على جميع مستويات التعليم بالنسبة لمجموع المواطنين الذين في سن الدراسة لا تصل إلى 21℅  حين أنها في بلدان عربية أخرى تتراوح بين 26و29℅

–         وفي مجال الشغل، وبالرغم من أن الإحصائيات الرسمية تظل غامضة في هذا الباب، فمن المسلم به أن زهاء 25 ℅ من السكان القادرين على الشغل يعانون من البطالة. ومن الضغط الديمغرافي {5,3  سنويا} فإن الداء يأخذ أبعادا مفجعة. أ/ا التصميم الجديد الذي يحضر بالنسبة لفترة 73-77 ليس له أمل في إزالة الداء بل ولا حتى في التخفيف منه.

–         وهل من حاجة الى التذكير بأن فئات السكان القادرين على العمل الأكثر تضررا من هذه الوضعية هم الشبان- من 15 الى 24 سنة- الذين يمثلون زهاء 60  ℅من العاطلين؟

–         وان هذه الإشارات لا تدعى تقديم حصيلة كاملة لعقد كامل من التسيير الحكومي. وقد اتضح اليوم للجميع أن الأقلية المستفيدة من النظام لا تعمل إلا على توطيد وضعيتها الاقتصادية على حساب الأغلبية من الشعب، فلا مراء في أن الأغنياء لم ينفكوا يزدادون غنى بكيفية مفضوحة، وبأن الفقراء يزدادون فقرا بصورة مأساوية. فصغار الفلاحين و الصناع والحرفيون أي ملايين المحرومين لا يبلغ مصروفهم اليومي الآن درهمين، فالمستقبل بالنسبة لهؤلاء وفي إطار الهياكل الحالية لا يبشر بخير.

وما دام الواقع على ما هو عليه بمعطياته الساحقة فإن الاتحاد الوطني للقوات الشعبية يعتبر أن أية حكومة كيفما كانت مزايا الأشخاص الذين سوف يشكلونها لا تستطيع بدايتها أن تأتي بالمعجزات، ولو للمدى المتوسط . فبدون تغيير للهياكل سيكون من العبث أن يجرى أي تقويم للوضعية الراهنة.

وهذا التغيير نفسه للهياكل الذي يتطلب تجنيد الطاقات البشرية والمادية كما يتطلب مفهوما وطنيا جديدا لتراكم الرأسمال والمعرفة، ولا تأتي إلا بالمساهمة الواعية للجماهير المعنية بالأمر، فبالمساهمة والحوار بين الحاكمين والمحكومين يمكن ضمان التأييد والدعم الفعال والإداري بل والدعم الحماس لشعب يكدح- ويعلم أنه يفعل ذلك لضمان مصيره من التقدم والعدالة الاجتماعية.

بيد أن يتغلب على الأزمة واستعادة الثقة سيكون من العبث كذلك الإعلان”من أعلى” عن ضرورة تغيير الهياكل ومطالبة القاعدة” بأن تعطى ثقتها بالنسبة للباقي” فالبورجوازية الرأسمالية والإقطاعية العقارية والمصالح الاستعمارية الجدية الموطدة بالمغرب ستعرف كيفتجهض أجمل البرامج الثورية التي تهمل الاعتماد على الإرادة الشعبية التي تفصح عن نفسها بوضوح.

انطلاقا من هذا التحليل يعتبر الاتحاد الوطني للقوات الشعبية إن النظام يقوم على الديمقراطية السياسية الحقة ولو في بلد متخلف، هو الضمان الوحيد لبناء ديمقراطية اقتصادية واجتماعية. فممثلوا الشعب سوف يكونون آنئذ بالمرصاد لكل ما من شأنه ان يعرقل الاختيارات الأساسية التي نوقشت بحرية وتم تبنيها.

فكيف التغلب ياترى على الحذر والتشكك من جهة وإثارة اهتمام الطبقات المحرومة من جهة أخرى اذا لم تتوفر هياكل دستورية وديمقراطية منذ البداية لتفتح المجال للحوار والمنازعة وأخيرا المساهمة الواعية في بناء المصير المشترك؟ فالشعب المغربي لن يعود حينئذ تحت رحمة الحكم او مادة في يده بل يصبح الشعب سيد نفسه، عنه تنبثق السلطة، شعب قادر على أن يترجم في الواقع وتحت مراقبته اليقظة الاختيارات الرامية إلى تلبية حاجياته الأساسية.

 

 

فالأمر لم يعد يتعلق، لمواجهة الواقع بالاكتفاء بتصحيح خط المسار، وفي هذا الصدد فان الانتخابات المقررة كتطبيق لدستور 1972 لا تثير أي اهتمام أنها تبدو كصيغة جديدة تكرر مشاهد الماضي.

إن توجيها سياسيا جديدا يختلف جذريا عن توجيه الماضي هو وحده الكفيل بجعل الشعب المغربي يستعيد الثقة ويقبل على المستقبل. وأكثر من هذا فان هذا التوجيه الجديد يجب ان تواكبه تدابير مسبقة ملموسة لإحداث الرجة السيكولوجية التي تتطلبها الظروف.

وهذا الإجراء السياسي هو الإعلان رسميا أن الشعب المغربي سيدعى في تاريخ محدد لانتخاب مجلس وطني تأسيسي وتشريعي على أساس الاقتراع السري العام المباشر.

ويأبى الاتحاد الوطني للقوات الشعبية إلا أن يؤكد أن اقتراحه لا يصدر عن أي تمسك دغوماتيقي بمبدأ المجلس التأسيسي، بل إن اقتراحه يتجه إلى إبراز مغزى سياسي بديهي:وهو أن عهد الحكم المطلق، أو الانتخابات المزيفة قد ولى. وان الحكم بهذا الإجراء السياسي يود اتاحه الفرصة لممثلي الشعب أن يقرروا بكامل السيادة في المصير الجماعي للأمة، وذلك في إطار دستوري قبلته الأمة بحرية ووعي.

ومن الناحية العملية فان المجلس الوطني المنتخب سوف يضطلع بمهمتين:

1)    مهمة ذات طابع دستوري إذ سيكون على المجلس بادئ ذي بدء، ان يبت في مختلف بنود دستور 1972 وخاصة فيما يتعلق منه بميادين التشريع والتنظيم، وفيما يخص العلاقات بين مختلف السلطات.

2)    مهمة تشريعية عادية

فإذا قبل هذا الاقتراح في مبدأه، فان النقط القانونية التي تبدو ضرورية لتنفيذه سوف تدرس فيما بعد.

وحتى يمكن لهذا المفهوم الجديد للحكم أن يحدث الأثر المرجو فان إجراءات مسبقة يتحتم اتخاذها في العاجل، ويمكن ذكر بعضها على سبيل المثال فيما يلي:

–         تطهير الجو السياسي بإصدار نصوص تشريعية تقرر العفو العام الذي يشمل الجميع بدون استثناء.

–         إلغاء النصوص التشريعية والتنظيمية التي تحد من ممارسة الحريات العامة والخاصة، وفي هذا الاتجاه فان القرارات الإدارية التي تقيد وتقمع حرية التعبير بإقامتها لرقابة مسبقة، يتحتم إلغاؤها.

–         إلغاء الظهائر والقرارات القمعية التي أصدرت أيام الحماية وبقي العمل جاريا بها.

–         إيقاف العمل بالنصوص التشريعية التي اتخذت بعد سنة 1962 والتي تعدل القانون الجنائي وقانون المسطرة الجنائية.

وعندما تتخذ هذه التدابير يمكن تكوين حكومة تتمتع بالثقة الشعبية لمدة معينة وبمهام محددة:

–         تكون مهمتنا الأولى السهر على نزاهة انتخابات المجلس الوطني وسيكون عليها أن تضع قانونا انتخابيا يعكس الإرادة الوطنية بدون تحديد أو تزوير.

–         وستمارس السلطة التنظيمية التي تستمدها من الدستور ويتعين عليها خاصة اتخاذ كل الإجراءات لوضع حد للرشوة واستغلال النفوذ وانعدام الكفاية في التسيير. ويجب أن تصبح الإدارات المركزية والمحلية مصالح عمومية في خدمة المواطنين.

–         وإثناء هذه الفترة الانتقالية وفي انتظار المصادقة النهائية على الدستور فان النصوص التشريعية ستتخذ في المجلس الوزاري باقتراح الوزير المعني بالأمر.

–         مواجهة الإجراءات الأكثر استعجالا في الميادين الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الخ …

–         ومن البديهي أن مثل هذه الحكومة المدعوة أساسا إلى ترجمة التوجيه السياسي الجديد لأي الواقع في حكومة ذات طابع انتقالي.

–         فالحكومة التمثيلية التي تعكس الإرادة الحقيقية للبلاد هي التي ستنبثق على الانتخابات الجماعية الوطنية وهي التي يمكنها مباشرة بناء ديموقراطية اقتصادية بمساندة التمثيل الوطني.

تلك هي وجهة نظر الاتحاد الوطني لقوات الشعبية

وعلى أساس هذا المفهوم الجديد للحكم فان حزبنا مستعد لتحمل مسؤولياته لخدمة المصلحة العامة للبلاد، وفتح الطريق بذلك للديموقراطية والاشتراكية

 

حرر بالرباط في 14 أكتوبر 1972.

تعليقات الزوار ( 0 )

مواضيع ذات صلة

شريط وثائقي يضم مسيرة حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية خلال ستين سنة

مـــوقفنـــــا

في ذكرى أحداث يونيو 1981

عن مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة