فوجئ كثير من المتتبعين بحدة القمع، الذي مارسته قوات الأمن الإسباني على أنصار استقلال كاتلونيا، وصدموا بمظاهر التنكيل والاستعمال المفرط للقوة، والتحرش الجنسي بالنساء، والاعتداء عليهن، مما دفع بالحكومة المحلية لهذا الإقليم إلى المطالبة بتدخل الاتحاد الأوروبي، لإدانة ما قامت به حكومة مدريد.
ومن المعلوم أن أنصار الاستقلال من حكومة محلية، وبلديات وبرلمانيين وغيرهم، تمكنوا من تنظيم الاستفتاء يوم فاتح أكتوبر، رغم كل الترسانة القمعية التي جهزتها وسلطتها عليهم حكومة اليميني ماريانو راخوي، من مصادرة أوراق التصويت والصناديق وإغلاق المكاتب ومنع الولوج إليها، إلى توقيف – نهايةَ المطاف- شبكة الأنترنيت في الإقليم بكامله، لمنع التصويت بهذه الوسيلة، واحتساب الأصوات.
كل ذلك جرى في ظل إنزال أمني غير مسبوق في إسبانيا، حيث نقلت وسائل التواصل عمليات العنف المفرط الذي مارسته قوات الأمن، لمنع الناس من التعبير عن موقفهم، وهو ما جعل نسبة المشاركة لا تتعدى 42 في المئة، رغم أن أكثر من 90 في المئة منهم كانوا مساندين للاستقلال.
غير أن رئيس الحكومة ماريانو راخوي، اعتبر من جهته أنه «لم يكن هناك أي استفتاء، والإسبان سجلوا أن دولة الحق حاضرة بقوة، لأن قوات الأمن قامت بواجبها، لفرض احترام قرار العدالة»، في إشارة منه لقرار المحكمة الدستورية، التي أعلنت أن تنظيم الاستفتاء غير مشروع.
ويبدو أن القمع الذي سلط على الكاتلان، أنصار الاستقلال، سيوسع الهوة بينهم وبين مدريد، حيث يعتبرون –الآن- أن الملف الحقوقي له كل الأولوية، ويعيبون على الاتحاد الأوروبي صمته، كما يسجلون التجاهل الذي اتخذته المنظمات الحقوقية الدولية، باستثناء منظمة العفو الدولية، التي عبرت في بيان لها عن موقف جد محتشم، حيث رفضت الاستعمال المفرط للقوة، وطالبت باستعمال معتدل لها من طرف البوليس الإسباني!
ويستعد إقليم كاتلونيا اليوم، لإضراب عام، احتجاجًا على عمليات القمع التي سقط ضحيتها 893 شخصًا منهم من هو في حالة خطيرة، حيث أصيبت امرأة مسنة بجرح غائر في رأسها، كما أصيب العشرات بالرصاص المطاطي، أحدهم في عينه…
ويمكن القول إن أحداث كاتلونيا ستضع على المحك مصداقية كل المواقف والشعارات، التي ترفعها الهيئات والمنظمات الدولية، التي لا تتوانى عن التدخل القوي والعاجل، كلما تعلق الأمر بأحداث في مناطق أخرى، غير الدول الغربية، كما تفعل الآن منظمة العفو الدولية، التي تنظم أسبوعاً تضامنيا عبر العالم، للتضامن مع الحركات الانفصالية في روسيا.