من المؤكد أَن التوجيه الصادر عن الملك محمد السادس، بتخويل المرأة المغربية، ممارسة مهنة العدول، تعتبر خطوة أخرى مهمة، في اتجاه تعزيز مكانة النساء في المجتمع المغربي وإنصافهن، لتنضاف إلى مكتسبات أخرى، تحققت في هذا المجال، والتي تسير كلها في اتجاه التخلي عن إرث متخلف ورجعي وغير عادل تجاه المرأة.
ولا يمكن هنا إلا أن نسجل الدلالة المعنوية الكبرى، لمثل هذه الخطوات، في مجتمع يحتاج إلى تعزيز كل مظاهر الحداثة، بكل حمولاتها الثقافية، خاصة في موضوع معقد مثل وضعية النساء، الذي يحتاج إلى مجهودات متواصلة، في صيرورة التحديث، التي لن تكون سهلة وسريعة، بل تحتاج إلى معركة طويلة الأمد، كما حصل حتى في المجتمعات المتقدمة، والتي مازالت هي نفسها تعاني من رواسب الماضي والتمييز ضد المرأة.
و في هذا الإطار، فإنه من الضروري اعتبار الخطوة التي تمت، حاليا، في المغرب، جزءٌ من هذه المعركة الطويلة الأمد، التي تحتاج إلى دعم وتثمين، كما تحتاج إلى التعامل معها كدفعة جديدة في اتجاه إحقاق حقوق النساء، مع التأكيد أن هناك مجالات مازالت تحتاج إلى الملاءمة، إذ لا يعقل أن تكون المرأة قاضية وتمارس مهنة العدول، وترفض شهادتها في بعض الحالات.
لذلك يمكن القول، إن تحقيق مكتسبات في قضية المرأة، ينبغي أن يكون مناسبة لإثارة مظاهر التخلف والتمييز الأخرى، التي مازالت مترسبة، خاصة وأن إمكانية تجاوزها حاصلة، مادامت هناك اجتهادات منفتحة، تخلت عن التأويل الرجعي للموروث الديني والثقافي.
إن التراكم الحاصل في تحقيق مكتسبات جزئية، يندرج في إطار معركة التحديث الطويلة الأمد، التي ينبغي استثمار كل أوجهها للتقدم في تغيير المجتمع، سواء في نظرته للمرأة أو في تعامله مع الموروث الديني والثقافي، حيث لا يمكن فصل الخطوات المتقدمة التي تمت منذ اعتماد مدونة الأسرة الجديدة، مجرد إجراءات تقنية/قانونية، بل إنها تكتسي أهمية أكبر، في حمولتها الثقافية، المجتمعية، التي ينبغي أن تكون هي الأكثر وضوحا في هذه المعركة، لأن هناك من يتربص بالمكتسبات، ليعيد عقارب الساعة إلى الوراء.