فتح الله رمضاني :
النقد عموما لا يكون إلا في صورتين، نقد إيجابي أو نقد سلبي، وقد يكون نقدا هداما أو بناءا ولا توجد أية علاقة في تصنيفه هذا، أي بين الهدم و البناء، مع سلبيته و إيجابيته، فقد يكون نقدا سلبيا لكنه بناءا، بمعنى أنه قد يكون رأيا يعالج سلبيات موقف الأخر ولكن بخلفية تطويره و تجويده.
و النقد غالبا ما يكون مرتبطا بالتخصص، بمعنى أنه رأي من متخصص يوضح إيجابيات أو يعالج سلبيات أراء و مواقف و إبداعات الأخر، فإن كان رأيا لا يتأسس على دراية أو على اختصاص، فهو بهذا المعنى لن يكون نقدا، و إنما فقط رأي لا تحكمه إلا خلفية النزعة الشخصية، ولو حاول صاحبه اختيار موقع الموضوعية، لأنه و ببساطة لا موضوعية دون دراية و دون اختصاص، وهذا النوع من النقد، أي المفتقر للدراية و المعرفة و الاختصاص، والمتميز بالتطاول و العناد هو ما أصبح يميز انتقادات المواقف السياسية لبعض الأحزاب المغربية وعلى رأسها حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.
والملاحظ أن هذا النوع من الانتقاد الموجه ضد مواقف الاتحاد الاشتراكي و اختياراته، غالبا ما يكون صادرا عن صحافيين و إعلاميين، وبشكل مأسوف عليه، استنادا على أدوار الصحافيين الأصلية، لكنه مفهوم انطلاقا من معرفة الأجندات التي ينخرط فيها هؤلاء ” الصحافيين النقاد “، والذين لا هدف لهم إلا توجيه الرأي العام نحو رفض مواقف الاتحاد الاشتراكي لحساب موقف أخر، وبخلفية تشيطن كل اختياراته وكيفما كانت، وهي الخلفية التي يحاولون في كل مرة إلباسها لبوسا معينة، والتي دائما ما تتأسس على عزل الحزب عن قيادته، لكي يظهروا بمظهر الرافض لسياسة القيادة، وليس للحزب كحزب، وهو النهج الذي كان متبعا طيلة عملية استهداف الاتحاد الاشتراكي منذ عهد السي عبد الرحيم بوعبيد، فهم دائما كانوا يركزون على جعل مواقف الاتحاد مختزلة في قيادته، ليسهل عليهم دفع المغاربة نحو التفرقة بين الاتحاد كحزب وبين قيادته، وليظهروا وكأنهم مناهضين لقيادة لا تمثل الحزب، وهم في الأصل مناهضين للاتحاد كفكرة و كتنظيم.
ومن أبرز المشاهد التي تبرز هذه الخلفية، هو أن الأقلام التي تحركت اليوم منتقدة اختيار الحزب للمشاركة في الحكومة، معللة انتقادها بسؤال ما الذي تغير؟ هي نفس الأقلام التي كانت البارحة تنتقد اختياره لعدم المشاركة، معززة انتقادها حينها بسؤال ما الذي يمنع؟ وهما سؤالين متناقضين، لكنهما في الأصل صورتين مختلفتين وفقط لسؤال واحد، هو ألا يمكن أن يكون المغرب من دون اتحاد اشتراكي للقوات الشعبية؟ وهو ما يحاولون الإجابة عليه، بأجل من خلال استهدافهم له، أجل “مغرب أخر ممكن” من دون اتحاد، وهو ما عجزوا عن تأكيده و تحقيقه إلى اليوم.
هناك نوع أخر من المتتبعين الذين ينصبون الصلبان لصلب الاتحاد دائما و أبدا، وهم المنتمون لفئة المتياسرين، ثوار مع وقف التنفيذ،هكذا هم، يحلمون بثورة يغطي لونها الأحمر كل الأرض، أولئك الثوار الذين يرفضون كل شيء، ولا يقترحون أي شيء، والذين ينتقدون استراتيجيات الاتحاد الاشتراكي، و أساليبه النضالية، وينطلقون في انتقاداتهم دائما، من مقاربة مواقف الاتحاد و أساليبه، التي تتأسس على مبادئه و اختياراته، مع مواقفهم و أساليبهم، المؤسسة على مبادئ جامدة و شائخة، وكأن الاتحاد الاشتراكي مطالب بتبني مواقفهم و السير على أساليبهم وتحقيق ثورتهم التي عجزوا عن إدراكها.
هناك أيضا الحاملون لمشروع مجتمعي مناقض لما يحمله الاتحاد، وهؤلاء مفهومة نزعاتهم، فهم يوقنون أن سر نجاحهم رهين بفشل الاتحاد، وسبيل استمرارهم مرتبط بزوال الاتحاد، لهذا فمن العادي أن ينتصبوا في صف أعدائه، ما ليس عاديا هنا، هو استهداف الوطن ومصالح الوطن اعتقادا منهم أنهم يستهدفون الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، خصوصا عندما تتجسد مصلحة الوطن في ما يراه الاتحاد.
هكذا، فجل الآراء التي تنتقد اختيارات الاتحاد الاشتراكي، دائما ما تكون مواقفا مؤسسة على الرفض من أجل الرفض، وشبيهة بمواقف الأسد في قصة “مالك مزغب ” والتشبيه هنا ليس تشبيها بليغا و لا تمثيليا، وليس استحضارا لرمزية الأسد في المخيال الشعبي، أبدا، هو تشبيه لتبيان عناد الأسد، وهدفه الأصلي، والذي لم يكن إلا التهام القرد، وليس البيض في القصة، فهم هكذا ومن خلال عنادهم وحدة أصواتهم المنتقدة للاتحاد لا يهدفون إلا لزواله، لكنها أصوات ستبح كما بحت أصوات عديدة قبلها، و سنمر و سيمرون، وسيبقى الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ببقاء الوطن.

تعليقات الزوار ( 0 )

مواضيع ذات صلة

الكاتب الأول في المجلس الجهوي الموسع بجهة مراكش آسفي .. حصيلة الحكومة: تحقيق أرقام قياسية خطيرة في البطالة والهشاشة 

الكاتب الأول الأستاذ إدريس لشكر يترأس المجلس الجهوي الموسع بجهة مراكش -أسفي

انتخاب الاخ سعيد بعزيز رئيسا للجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان

انعقاد المؤتمر الثامن لإقليم الرباط