الكاتب : عبد الحميد جماهري

عندما نفكر في ربط المسؤولية بالمحاسَبة – بعضنا يفضل الحديث عن ربط المسؤولية بالمحابَسَة، من الحبس – لا يمكن أن نقفز عن مربط الفرس، في كل مسؤولية تتعلق بالمؤسسات العمومية.
وعندما نفكر، بدعوة من القمة في إعادة النظر في النموذج التنموي المغربي، لا يمكن أن نقفز عنها أيضا..
فهي تملك وزنا اقتصاديا مهما….
وهي حسب تقارير المجلس الأعلى للحسابات تعد أول مستثمر عمومي، و تمثل، من حيث الأداء، الوسيلة المفضلة في تنفيذ السياسات العمومية..
وهي بذلك توجد في تقاطع الطرق بين المسؤولية والتنمية أيضا.…
وإننا نرى أن القاموس السياسي صار – وقد استأنس بالزلزال – معلقا بالمسؤولية والمحاسبة، والمسؤولية والتنمية…، غير أن هذا يبدو وكأنه لا يعني المؤسسات العمومية الكبرى..
والحال أن هناك مبررا أكبر أيضا يتعلق بتواجد المؤسسات والمقاولات العمومية، في صلب الثروة الوطنية، والتي كانت موضوع دعوة أيضا إلى التفكير …من أعلى هرم الدولة.. الشيء الذي يجعلها في صلب المسؤولية عن هذه الثروة..التي أسالت الكثير من المداد، وقبله أسالت الكثير من الدماء في التاريخ القريب….
ربط المسؤولية بالثروة يجرنا إلى هذه القلاع التي نكاد نعتقد بأنها خارج تصنيف الدواليب المعتادة في حصر ممتلكات الدولة، من فرط ما أنها متوارية عن الأنظار.…
كما يجرنا إليها نقاش اللحظة حول قانون المالية، والذي تتحلق حوله انتظارات المغاربة…، فهذه المؤسسات بالوعة رهيبة وكبيرة للأموال العمومية..
ويوجد في قانون المالية ملحق خاص بها أو خاص بمتطلباتها التي ترهق ميزانية المغرب..
غير أنها بنية مغلقة تبدو بعيدة عن المراقبة التشريعية، والمفارقة الكبيرة أن البرلمان الذي يطلب منه المصادقة على مصاريفها وديونها وتسييرها، لا يحق له في الكثير من الحالات أن يمارس حق النظر فيها!
ومن الثغرات التي يرصدها المتتبع، من خلال تقرير المجلس الأعلى الاستدانة المتزايدة، والتي بلغت في 2015 أزيد من 245 مليون درهم..! وهي تتصاعد باستمرار،… في الوقت الذي ينتظر منها أن تنتج الثروة ،
تأكلها
في الوقت الذي ينتظر منها أن تمول الميزانية
تنخرها
وفي الوقت الذي ينتظر منها أن تصحح الأوضاع
تربكها..
ومن نقط الضعف العديدة التي سجلها تقرير المجلس الأعلى المتعلقة بالهيئات المسؤولة عن اتخاذ القرار …
تباعد اجتماعاتها المحدودة أصلا.
أين المسؤولية
ومن يحاسب من؟
الهيئات التقريرية غير محصورة فهي تتراوح بين 18 و50 عضوا.
ونص التقرير أيضا على أن اختيار المسؤولين يتم بطريقة غير شفافة، وغير واضحة، كما أوصى المجلس بضرورة» تسليط الضوء والشفافية على تعويضات المسؤولين، مما يعني أنها غير شفافة ومظلمة!
وهناك من المؤسسات العمومية ما يصل عدد الأعضاء في ديوان المسؤول عنها عشرات المستشارين والخبراء»، الذين قد تبلغ تعويضاتهم أحيانا ما يفوق الوزراء
ولربما رئيس الحكومة…!!!

**********************************************************

ومن المحقق أن اختبار المحاسبة، المقتصرة على الإعفاء، والرقابة المتشددة على النتائج، لا تلغي التمحيص، بل تضاعفه للأداء العام لهذه الإمبراطوريات التي عادة ما تعطينا الانطباع أنها خارج منطق المراقبة.
فالمديونية عنوان بارز على ارتباط هذه المؤسسات بتدبير يجعلها رهينة بالدولة وتأكل من المحفظة العمومية للبلاد. وقد بلغ حجم مديونية المؤسسات والمقاولات العمومية إلى حدود 2015، ما يقابل 25% من الناتج الداخلي الخام!! وفي ظرف عشر سنوات، أي منذ انطلاق مبادرة التنمية البشرية، كإعلان رسمي من أجل تدبير جيد للخزينة ودفعها إلى مواجهة الهشاشة، ارتفعت مديونية هذه المؤسسات بما يناهز 320 %، حسب مصادر المجلس الأعلى نفسه….
وفي سياق الدين نفسه، الخارجي بالذات، فقد وصلت مع نهاية 2015، إلى 160 مليار درهم! وهو ما يشكل 65 % من مجموع دينها، يبلغ المضمون منه 105 مليارات درهم!
والغريب أن خلاصة تقرير مجلس جطو تقول ، بخصوص الكتلة الأجرية التي زاد ارتفاعها ، بالرغم من صعوبات النموذج التنموي الساري في البلاد ، بسبب التحفيزات ..وبالرغم من كون عدد العاملين ظل نسبيا مستقرا (حوالي 130 ألف إطار وموظف عامل )، فإن نفقات الموظفين تمثل أزيد من 45% من القيمة المضافة الناتجة عن هذا القطاع، وبلغة أوضح، يقول التقرير إن نسبة مهمة من أرباح المؤسسات والمقاولات العمومية يستفيد منها أجراؤها«..انتهى الكلام!
لا بد أن نشير إلى أن قرارات الإعفاء وربط المسؤولية بالمحاسبة لا يمكن أن تلغي هذه المؤسسات من الحسبان، سواء كان هناك غليان شعبي أو لم يكن..
وذلك لأسباب آتية:
المرجعية الدستورية هي التي تتحكم في تنظيم أشغال الحكومة، كما تنظر وتنظم سير المؤسسات العمومية، وربط المسؤولية بالمحاسبة لدى الوزراء هي نفسها لدى مسؤولي المؤسسات المعنية… والمراسيم المحددة لاختصاصات وتنظيم الوزارات…
* السياسات التي تعنى بها هذه المؤسسات والمقاولات هي السياسة التي تحددها القطاعات الوزارية المعنية بها..
فلا يمكن أن نحاسب الوزير بدون أن نحاسب المؤسسة العمومية المعنية والشريكة معه في تدبير مجال عملها، هناك ترابط تبعي إذا شئنا بين الوزارة والمؤسسات العمومية في مجال تنفيذ المشاريع….
* المؤسسات العمومية، هي أيضا مرتبطة ارتباط وثيقا بالجهوية: فهي الوسيلة المفضلة في التنمية الجهوية وإعداد التراب الوطني، لا يمكن أن يتحدث ملك البلاد عن تفعيل الجهوية وتحسين إطارها القانوني وتحديد مجالات نشاطها بدون أن يكون لذلك أثر على تدبيرها، فأثرها سابق باعتبارها وسيلة مفضلة في التنمية الجهوية….
* لا يمكن أن نتحدث عن المسؤولية والمحاسبة بدون منظومة تجعلها تسري على الزمن الطويل، واعتبار أن المؤسسات التي تعتبر الذراع التنفيذي للدولة يجب أن تكون خاضعة لشفافية مطلقة، تمكن من حصول المعنيين، إدارة ومواطنين ومنتخبين ومسؤولين، على المعلومة بسلاسة أكبر مما هي عليه، وهذا لا يقتصر على هاته المؤسسات بطبيعة الحال، لكنها منذورة لذلك بسبب صعوباتها ودوائر العتمة المحيطة بها..
* المنظومة لا يمكن أن تكتمل بدون وجود قضاء مستقل يشتغل بدون توافقات وظلال، ويستطيع أن يحترم اختصاصاته والسهر على الملكية العامة والمال العام، ويبادر بدون انتظار تدخل الملك..
فلا يعقل بأن يقوم الملك بمراقبة 130 ألف موظف في هذه المؤسسات، أو يتابع تقاريرها باعتباره رئيس الدولة والساهر على مصالحها دستوريا..
بمعنى لا بد من قضاء يشتغل على قاعدة العدل والصالح العام، لا على قاعدة الموسمية والبناء السياسي للحظة!
ولا يمكن أن تقوم قائمة لهذه المؤسسات بدون إعلام قوي أيضا، وتلك قصة أخرى….
وبدون برلمان يمارس رقابته دون الخضوع لاشتراطات المرحلة المنخفضة، بل باشتراطات تقوية نسيج الدولة في المراقبة…. ونحن نتكلم في العمق عن مقومات دولة الحق والقانون..
دولة المحاسبة اليومية والدائمة….

تعليقات الزوار ( 0 )

مواضيع ذات صلة

الخروج  اليوم عن المبادئ والقواعد والأعراف والتوافقات ترجمة لمنطق التغول : إلزامية عدم التراجع عن المكتسبات التي سبق إقرارها في النظام الداخلي

حتى  لا تتحول مجالس الحكامة الى آلية للتحكم

اليوم يفتتح ذ.إدريس لشكر المؤتمر الوطني لقطاع المحامين

الأغلبية تظهر «وحدة الواجهة ـ الفاصاد»، وواقع مكوناتها يؤكد ما قاله الاتحاد وكاتبه الأول..