ما نلاحظه اليوم هو غياب سياسة اقتصادية عمومية واضحة المعالم لدى الحكومة. هناك فقط إجراءات تقشفية مملاة من قبل المؤسسات المالية الدولية. المغرب بدأ يفقد تدريجيا سيادته على قراره الاقتصادي نتيجة لتمادي الحكومة في إغراق البلاد في المديونية، وهو عكس المسار الطويل الذي قادته حكومة التناوب والحكومات التي تلتها، حيث عملت على إدخال إصلاحات بنيوية وعميقة على الاقتصاد الوطني، وهي الإصلاحات التي ساهمت إلى حدود اليوم في الاستقرار الاقتصادي، وفي تحقيق نسب النمو المرتفعة والقارة لسنوات. هذه الإصلاحات شملت مجالات الاستثمار وسوق الشغل ومناخ الأعمال والإصلاح الضريبي وإصلاح المالية العمومية، وإصلاح أنظمة التقاعد وإصلاح النظام المالي والبنكي، وسن سياسة جديدة لإنعاش المقاولات بما فيها الصغرى ووضع سياسات قطاعية جديدة، وإصلاح المؤسسات العمومية وإطلاق أوراش البناء الكبرى بما فيها الطرق السيارة. بفضل هذه الإصلاحات وهذه الأوراش الكبرى والمتنوعة، تمكن الاقتصاد المغربي من الخروج من دائرة السكتة القلبية، وأن يسير بخطى متسارعة نحو نادي الدول النامية بمعدل نمو متوسط خلال الفترة الممتدة من 1998 إلى 2011 تجاوزت 5%، وهي أعلى نسبة نمو يحققها الاقتصاد المغربي خلال أطول مدة منذ الاستقلال.
اليوم يحتاج المغرب إلى جيل جديد من الإصلاحات البنيوية، قادر على أن تعطي للاقتصاد نفسا جديدا، وليس إلى تدابير منعزلة وغير منسجمة التي تتخذها الحكومة الحالية والتي ستكون لها آثار سلبية ليس اليوم أو غدا ولكن خلال السنوات المقبلة.

الاقتصاد الوطني أصبح مرهونا في نموه بعدد من العوامل الخارجية، وهو ما يرفع من نسبة المخاطر التي يمكن أن يتعرض لها بشكل كبير. فالنمو مرتبط بالتساقطات المطرية وبسعر البترول، وبتحويلات المغاربة بالخارج والمداخيل السياحية ومساعدات دول الخليج، وهي كلها عناصر لا يمكن لأحد التحكم فيها، وهو ما يدفعنا لطرح سؤال كبير حول مستقبل الاقتصاد المغربي، وقدرته على الاستمرار في خلق مناصب الشغل، وتحقيق معدلات نمو قوية وعلى ضمان تنافسيته الخارجية.

والحكومة الحالية تتبنى الحلول السهلة الخالية من أي إبداع في تدبيرها للوضع الاقتصادي الحالي، من خلال سن سلسلة من الإجراءات التقشفية التي تضعف القدرة الشرائية للأسرة وتعقد الوضع المالي للمقاولات، وهو الأمر الذي ساهم خلال الثلاث سنوات الأخيرة في تراجع استهلاك وادخار الأسر، وارتفاع نسبة عدم القدرة على تسديد القروض. المقاولات هي الأخرى تعرف صعوبات مالية كبيرة ونسبة عالية من التسريحات، وتراجع في استثماراتها. أما عدد حالات الإغلاقات، فقد تسارع بشكل مهول خلال الثلاث سنوات الأخيرة، خصوصا على مستوى المقاولات المتوسطة منها ومقاولات قطاع البناء والأشغال العمومية. هذا القطاع الأخير يحتضر منذ مدة لأن الحكومة خفضت وتيرة الاستثمارات في هذا المجال، كما أن المؤسسات العمومية التي تستثمر في مجال البنيات التحديثية تعرف هي الأخرى صعوبات في سداد مؤخراتها تجاه المقاولات. ونذكر هنا أن أجل التسديد اليوم، سواء بالإدارات أو المؤسسات العمومية، وصل إلى مستويات قياسية لم يعرف الاقتصاد مثيلا لها سابقا، وهو مؤشر على غياب رؤية واضحة لدى الحكومة بخصوص السياسة التي تريد أن تنهجها. فرغم إغراقها للاقتصاد في المديونية ورغم المداخيل الضريبية التي يتم تحصيلها سنويا، هناك نوع من الارتباك في كيفية الإنفاق. هذا الارتباك سببه رغبة الحكومة في الظهور أمام المؤسسات الدولية كتلميذ نجيب يحافظ على التوازنات المالية، وعلى نسبة العجز المالي المفروض عليها، وهو التوجه الاقتصادي الذي سيضعف الاقتصاد بكل تأكيد على المدى البعيد.

 

الوضع الاقتصادي الحالي جد مقلق، وهو ما تظهره عدد من المؤشرات التي لا تنتبه إليها الحكومة.
أما حجم الاستثمار فيتراجع من سنة لأخرى، وهو ما يعني تراجع وتيرة النشاط الاقتصادي وتباطؤ أدائه. فماذا تنتظر الحكومة لتعلن عن فتح أوراش الإصلاح الاقتصادي الحقيقية، أم أنها ستستمر في الحلول الترقيعية المرتكزة على مبدأ التقشف و تجميد الأجور؟

تعليقات الزوار ( 0 )

مواضيع ذات صلة

الخروج  اليوم عن المبادئ والقواعد والأعراف والتوافقات ترجمة لمنطق التغول : إلزامية عدم التراجع عن المكتسبات التي سبق إقرارها في النظام الداخلي

حتى  لا تتحول مجالس الحكامة الى آلية للتحكم

اليوم يفتتح ذ.إدريس لشكر المؤتمر الوطني لقطاع المحامين

الأغلبية تظهر «وحدة الواجهة ـ الفاصاد»، وواقع مكوناتها يؤكد ما قاله الاتحاد وكاتبه الأول..