لبى داعي ربه الشاب عماد العتابي بعد عشرين يوما، تحمل فيها ألم جرح بليغ أصابه على مستوى الرأس إثر مواجهات بين محتجين بالحسيمة وقوات الأمن العمومي . ثلاثة أسابيع قضاها الراحل بالمستشفى العسكري بالرباط، قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة، ويترك عائلته مكلومة بهذا المصاب، ويخلف الحزن العميق لدى أصدقائه ومعارفه ومشيعيه إلى مثواه الأخير يوم أمس في محفل رهيب.
وقد أثارت هذه الوفاة أسئلة عدة في الحقل الحقوقي، أبرزها المطالبة بتحديد المسؤولية، من خلال تحقيق نزيه وذي مصداقية.
وإذ نسجل إيجابية البلاغ، الذي أصدره الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالحسيمة، الذي أكد فيه أن الأبحاث التي تجري تحت إشراف النيابة العامة ستتواصل، وأنها ستذهب إلى أبعد مدى لترتيب الآثار القانونية على نتائجها وإخبار الرأي العام بذلك، فإن هذا الحادث المؤلم، يعيد طرح موضوع ذي مستويين: يتعلق الأول بالحكامة الأمنية وبكيفية مواجهة الاحتجاجات سلمية كانت أو غير سلمية، والثاني هو تصرفات وسلوكات المحتجين، وإخلالهم بالنظام العام، وكيفية تعاملهم مع الضوابط القانونية.
إن ترسانة حقوق الإنسان، تحتوي اليوم على مبادئ أساسية بشأن استخدام القوة والأسلحة النارية بصفة عامة .أبرزها «مبادئ الأمم المتحدة لاستخدام القوة والأسلحة النارية من جانب الموظفين المكلفين بإنفاذ القانون» و»مدونة قواعد السلوك للموظفين المكلفين بإنفاذ القانون» الصادرة عن الأمم المتحدة، ومن أبرز هذه المبادئ التناسب، إذ يجب أن يكون استخدام القوة مناسباً مع الهدف المشروع، المرجو تحقيقه ومع خطورة الجريمة. وسلوك بدائل لاستخدام هذه القوة ومن بينها أساليب الإقناع، والتفاوض والوساطة؛أوالوسائل التقنية التي لاتزهق روحا ولا تحدث جروحا…ومن المبادئ كذلك أن يكون هذا الاستخدام متوافقا مع القوانين الوطنية والمبادئ الدولية، وأن لا تستخدم هذه القوة إلا في الحالات التي تصبح فيها جميع الوسائل الأخرى غير فعالة ولن تحقق النتائج المرجوة،  وفقط في الحدود اللازمة…
إن أهمية التقيد بهذه المبادئ التي أصبحت دون شك إحدى المواد التي تدرس بأكاديمية الشرطة وبمعاهد السلطات العمومية على العموم أصبح ضروريا خاصة ونحن نعرف أن هناك تناميا مضطردا للظاهرة الاحتجاجية بالمغرب،إذ تجاوزت 25 ألف مظاهرة سنة 2014 و13 ألفا في سنة 2015 وتجمُّع أغلبها غير مصرح به . وهي كما اعتبرها المجلس الوطني لحقوق الإنسان أثناء تقديمه لمذكرة في الموضوع «ظاهرة صحية، باعتبار هذه المظاهرات والتجمعات، التي يطالب خلالها المواطنون بحقوقهم، تمثل أحد التعبيرات المواطنة، وتعكس نضج المواطنين في التعبير عن مطالبهم بطرق سلمية».
أما المستوى الثاني، فيتمثل في ضرورة احترام المحتجين للقوانين وبعدم المس بممتلكات الغير أو التعمد في مواجهة قوات الأمن والإمعان في استفزازها والاعتداء عليها …
إن بناء دولة الحق والقانون، له شرط رئيسي، هو احترام هذا القانون من طرف الجميع قوات أمن وسلطات ومؤسسات ومواطنين. وإذا كان الاحتجاج السلمي حقا مضمونا، فله ضوابطه في الزمان والمكان، كما أن لققوات الامن مسؤولية حماية المواطنين وممتلكاتهم والنظام العام… واحترام هذا الحق وتقدير هذه المسؤولية، هما الكفيلان بعدم إزهاق روح أي فرد أو المس بحقه في الحياة ..
رحم لله الشاب عماد العتابي، وألهم ذويه الصبر والسلوان. ونتمنى أن يكشف التحقيق ظروف وملابسات وفاته، كما نتمنى أن يسود التعقل وروح المسؤولية من أجل الحفاظ على الاستقرار والأمن بمغربنا العزيز.