إن حالة الطوارئ الصحية السائدة في بلادنا، لم تك إختيارا مؤسساتيا،أو إختيار دولة لتقييد الحريات، وتعليق آثار القانون ونفاذه ، وإنما كانت ضرورة موضوعية حياتية، لمواجهة وباء فيروس يهدد أحد أهم مقومات الدولة ،  وهو الشعب.وإذ نحن في زمن موبوء يتهدد الإنسان المغربي في وجوده ، فيفرض علينا كشعب ومؤسسات دستورية، أن نترك على الجانب كل القضايا الخلافية العالقة بيننا، بحكم ضرورات التجاذب السياسي ذي البعد التاريخي،-والذي يعتمل داخل كل الأنظمة السياسية على إختلاف أنواعها ودرجات ديمقراطيتها في العالم-، وأن نوجه إراداتنا الموحدة للتصدي لعدو واحد يستهدفنا جميعا ويستهدف حيواتنا، وذلك بمحاصرته وتحجيم قدرته على الإنتشار فوق تراب وطننا والفتك بنا.إنها الحرب فعلا، لكن العدو فيها خفي لايبارزنا وجها لوجه ،إنما يتصيدنا أفرادا وجماعات، دون أن نملك في مواجهته سلاحا،غير سلاح الإنضباط الجماعي تحت سقف قرارات السلطة العامة،حتى نتمكن من ضمان الإستمرار على نهج التحكم في سرعة إنتشار الوباء ومحاصرته بإعتماد سلاح الوحيد والفعال هو الحجر الصحي والتباعد الإجتماعي.

فنحن إذن نعيش زمنا مغربيا، بل وعالميا إستثنائيا ،بما يقتضي من الأفراد والمؤسسات تدبير هذا الزمن بقرارات إستثنائية كذلك.وهي قرارات بطبيعتها تلك، تنتج آثارا على سىير المؤسسات والمرافق والمرتفقين على السواء،بنقلها من الوضع العادي إلى وضع إستثنائي إقتضته الحالة العامة والمحنة التي تجتازها البلاد.ومن هنا تستمد بعض القرارات الحكومية –وإن إستنبطت مايخالف بعضا من القانون- مشروعيتها ومشروعية آثارها ،ومن ضمنها القرار لذي إتخذته وزارة العدل القاضي بإعتماد آليات المحاكمات عن بعد لتصريف قضايا المعتقلين إحتياطيا على ذمة قضايا جنحية أو جنائية مستحضرة في ذلك ماتحمله المحاكمات الحضورية من مخاطر على المتهمين والمهنيين الفاعلين في فضاءات المحاكم.

وعلى غرار العديد من القرارات التي علقت العمل بالمواعيد النظامية ، العديد من القطاعات ، ومنها قرارات إستهدفت حتى النشاط الديني للمواطنات والمواطنين،وقضت بإغلاق المساجد وتعليق صلاة الجماعة والجمعة فيها،لما تحمله ممارسة هاته الفروض الدينية الثابتة في معتقد المغاربة ووجدانهم من مخاطر نقل العدوى،والزيادة في منسوب سرعة إنتشار الفيروس بفعل الإختلاط الدائم والمنتظم.على غرار ذلك وعلى نفس نهج محاصرة الوباء ،جاء قرار تنظيم محاكمات زجرية عن بعد،ليستعاض بها عن إحضار المتهمين أمام هيآت الحكم، بعد نقلهم من المؤسسات السجنية إلى مقرات المحاكم،بسبب مايحف هذه العملية اليومية والمنتظمة من مخاطر كبرى ممثلة الإحتمالات الواقعية الشديدة لنقل العدوى ،ولا تقل خطورة عن كل مظاهر الإختلاط الأخرى الموقوفة ، ومايُصَدِّقُ هذا القول هو البؤرة الوبائية التي نشأت في سجن ورزازات ،ومافتئت تتفاقم وتتزايد، ومنها وجب علينا إستخلاص العبر،وإتخاذ كافة الإجراءات والتدابير الكفيلة بضمان عدم تكرارها في سجون ومدن أخرى،والمرشحة فعلا لذلك (طنجة 5 حالات- سلا 2 حالات) وهو ماينذر إذ نحن لم نوقف عملية نقل السجناء بتفشي هذا الوباء بشكل مريع داخل المؤسسات السجنية المغربية وهو مايهدد حتما صحة وحياة نزلائها.

وتبعا لذلك، أستسمح بعضا من السادة النقباء والزميلات والزملاء في أن أخالفهم الرأي في رفضهم لإعمال هذه الآلية بعلة مخالفتها لأحكام قانون المسطرة الجنائية ولمعايير المحاكمة العادلة، وإذ أقدر كبير التقدير حرصهم على إعمال القانون فيما تعلق منه بحقوق الدفاع فإنني أرى أنهم تغاضوا عن إستحضار الحالة الوبائية العامة السائدة في المملكة التي إستوجبت إعلان حالة طوارئ صحية (مازالت مستمرة من 20 مارس الماضي وإلى غاية 20 ماي المقبل)،وهذه الأخيرة تتيح إمكانية إتخاذ كل القرارات الهادفة إلى حماية الصحة العامة بإعتبارها من مشمولات النظام العام المغربي،ووقف العمل مؤقتا بعض أحكام القانون لصالح هذا الهدف الوطني الإستراتيجي العام ،علما بأن كل حالة طوارئ تحمل معها وفي زمن نفاذها ،قرارات تحدث تغييرات صادمة أحيانا في أوضاع الناس،فضلا عن تغييرات قد تستهدف السير العادي للمرافق والمؤسسات العامة والخاصة،ولا يُستساغ أن تُسْتَثْنَى من تلكم الآثار المحاكم والمؤسسات السجنية . بما يفرض إتخاذ كل التدابير المنسجمة مع أحكام الطوارئ. حماية لساكنة السجون ولجميع مكونات العدالة والعملية القضائية ولا سيما في شقها المتعلق بتدبير المحاكمات في الدعوى العمومية داخل فضاءات المحاكم لما في ذلكم من تهديد أكيد ومشهود للحق في الحياة. ،والحق في الحياة أولى بالحماية من الحق في الحضور أمام المحكمة ،وهو يَجُبُّ غيره من الحقوق في زمننا الراهن.

 

 

النقيب الأستاذ

محمد كمال مهدي

 

تعليقات الزوار ( 0 )

مواضيع ذات صلة

بشأن قانون المسطرة المدنية: المحكمة الدستورية تقزم تغول الأغلبية العددية

سنة من تـعـزيز السيـادة 26

«‬تهريج‮»،‮ ‬و«بلطجة‮» ‬و‮… ‬حكامة بلا سياسة‮!‬

أزمة في جوهر النظام الترابي