بقلم فتح الله رمضاني

من بين أهم النظريات التي عالجت مسألة التخلف بأغلب دول العالم الثالث، نظرية الدولة الرخوة ( L’état mou)، لعالم الاقتصاد السويدي «جونار ميردال»(Gunnar MYRDAL)، حيث يقصد ميردال بالدولة الرخوة، تلك الدولة التي تضع وتسن القوانين لكن لا تطبقها، لأن لا أحد فيها يحترم القانون.
ولقد اخترت أن أستهل هذا المقال، والذي أريده أن يكون مساهمة في النقاش الدائر حول أوضاع الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وهو مقبل على مؤتمره الحادي عشر، بإشارة مقتضبة إلى مفهوم الدولة الرخوة، أي إلى الدولة التي يغيب فيها وعنها تطبيق القانون بالرغم من وجوده، ذلك لأن جزءا مهما من هذا النقاش كان يدفع في اتجاه جعل الاتحاد الاشتراكي حزبا «رخوا» إن صحت الاستعارة، حزبا يجب عليه تغييب قوانينه وعدم احترامها، خصوصا ما تعلق منها بمسألة العضوية فيه، بدعوى أن الانتماء إليه مؤسس على الانتماء إلى الفكرة، وكأن الاتحاد الاشتراكي حركة سياسية أو ناد سياسي مفتوح، في حين أنه حزب بتجربة تنظيمية طويلة ومهمة، على اعتبار أنه الحزب الأول الذي أرسى قواعد التنظيم بالمشهد الحزبي المغربي، وهي التجربة التي كان مضمونها العمل على تحديث وتطوير بنيته التنظيمية، بكل ما تعنيه البنية التنظيمية للحزب من علاقات بين الأجهزة الحزبية، وبين المنتمين إليه، وخصوصا من علاقات بينهم وبين هذه الأجهزة، وهدفها الانتقال بالاتحاد الاشتراكي من كونه تنظيما سياسيا إلى جعله حزبا سياسيا ممأسسا.
إن التأكيد على أن الاتحاد الاشتراكي ليس حزبا رخوا، هو ببساطة دفع في اتجاه تكريس ديمقراطيته الداخلية، ذلك أن الديمقراطية الداخلية للحزب السياسي، لا تعني غير إشراك جميع المنتمين إليه في عملية صناعة قراراته، وتحديد مساراته، وهو ما يتطلب تأطير الانتماء إليه، وما لا يمكن إدراكه إلا بالقانون وباحترام القانون.
وبالعودة إلى النقاش الدائر حول الأوضاع الحالية للاتحاد الاشتراكي، ومن أجل تجاوز جزء مغلوط منه، والذي استند في مراحل كثيرة في تقديري على :
أولا : تحليل مواقف أشخاص غير اتحاديين، في حين غابت عنه مواقف الأجهزة الشرعية للحزب، ونظرا لأن أنجع آلية لتقييم النقاش الداخلي لأي حزب، هي البحث في مدى احترام ديمقراطيته الداخلية، وجب التنويه هنا بمخرجات المجلس الوطني الأخير، والذي صادق على مشاريع مقررات المؤتمر القادم، ليعطي انطلاقة دينامية وطنية مضمونها الاستمرار في عملية إنضاج النقاش حول هذه المشاريع بهدف إغنائها، وهي صورة فعلية عن المستوى الكبير لمشاركة وانخراط الاتحاديات والاتحاديين بكل فروع المغرب في رسم مستقبل حزبهم، وهو ما يدل مباشرة على مدى احترام الديمقراطية داخل الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.
حيث أنه وبالرغم من الظروف الاستثنائية التي يجري فيها التحضير للمؤتمر القادم للاتحاد الاشتراكي، بسبب ما فرضته شروط التعامل مع وباء كورونا، إلا أنه ظلّ وفيّا لقناعاته ولتاريخه، في التحضير لمؤتمره بل وبمستويات أكثرهذه المرة من الوضوح والشفافية، حيث لم يتم فقط إشراك جميع الاتحاديات والاتحاديين في عملية التحضير، بل تم إشراك جميع المغاربة من خلال الانفتاح على نقاشاتهم التي تواكب تحضيراته.
ثانيا : اختزال مخرجات نقاشات الاتحاديات والاتحاديين، التي استوعبها المجلس الوطني الأخير، في نقطة واحدة، وهي نقطة عادية جدا، والمتمثلة في توافق أعضاء المجلس الوطني على جعل مدة انتداب الأجهزة التنفيذية بالحزب ثلاث سنوات بدل اثنتين، حيث كان المحرك لهذا الاختزال هو القول بضرورة الدفاع عن جمود النص القانوني أي جمود النظام الأساسي للاتحاد الاشتراكي.
على العموم وبعد التأكيدعلى أن قوة النصوص القانونية لا تتجسد في جمودها، بل في مدى مرونتها وقابليتها للتجديد وللتعديل، وجب التنبيه هنا، إلى أن المجلس الوطني لم يحسم في هذا المقتضى، بالرغم من اجتماع جميع الحاضرين على ضرورة تبنّيه، بغاية الحفاظ على استقرار الأجهزة التنفيذية للحزب، وبالتالي استمرارية نفس وتيرة أدائها النضالي، ما يعني الحفاظ على نفس وتيرة الأداء النضالي للحزب، بل رفعه إلى جانب رزمة من التعديلات الأخرى ليبت فيها المؤتمرات والمؤتمرون خلال المؤتمر القادم، وأعتقد كما يعتقد كل مؤمن بالنقاش الحر، وبالديمقراطية كآلية لتدبير اختلاف وجهات النظر، أن هذا إجراء طبيعي، عادي والأهم أنه إجراء ديمقراطي.
فاختزال مجهودات وجميع اجتهادات الاتحاديين في هذا التعديل، ومحاولة تصويره وكأنه تراجع وردة ونكوص عن اختيارات مقدسة، هو تكتيك غايته الأولى والأخيرة هي التشويش على هذه المجهودات، وتبخيس كل تلك الاجتهادات، سواء ما تعلق منها بتصورات الحزب للرهانات المطروحة على بلدنا، سياسيا واجتماعيا واقتصاديا، أو بتصوراته للبنية التنظيمية التي يراهن عليها من أجل جودة أداء وظائفه.
إن الاتحاديات والاتحاديين، وبالرغم من هذا التشويش الذي يطال عملهم، إلا أن جوابهم عليه، تجسد ولا يزال يتجسد في انخراطهم الكامل والمسؤول في التحضير لمؤتمرهم، ذلك أنهم ألفوا التشويش على عملهم، وعلى التحضير لجميع مؤتمراتهم، وهو ما يدل على استمرارهم في مأسسة الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.

تعليقات الزوار ( 0 )

مواضيع ذات صلة

النائبة مجيدة شهيد تسائل الوزير المنتدب لدى وزيرة الاقتصاد والمالية المكلف بالميزانية حول خلفيات وقف الدعم المالي المباشر عن بعض الأسر القاطنة بإقليم زاكورة.

الخروج  اليوم عن المبادئ والقواعد والأعراف والتوافقات ترجمة لمنطق التغول : إلزامية عدم التراجع عن المكتسبات التي سبق إقرارها في النظام الداخلي

خلال اجتماع مؤسسة كُتاب الجهات والأقاليم

بلاغ اجتماع مؤسسة كتاب الجهات والأقاليم للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية