احتضن فضاء المكتبة الوطنية بالرباط  أول أمس، الحفل التأبيني  للراحل إدريس السغروشني أستاذ الأجيال  الذي نظمته جامعة محمد الخامس بتعاون مع معهد الدراسات والأبحاث للتعريب، وتضمن هذا الحفل شهادات حول الراحل في الواجهات التي اشتغل فيها بكل جدية وحزم،  سواء العلمية والأكاديمية والنضالية وحتى الإنسانية إذ عددت هذه الشهادات مناقب وخصال وأخلاق الفقيد.

حضر هذا الحفل التأبيني عدد من الشخصيات السياسية والأكاديمية والفكرية والعلمية، وطلبة الفقيد ورفاقه في النضال الديمقراطي، ومن أبرز هؤلاء ذ عبد الواحد الراضي الذي جايل الراحل وعايشه في عدد من المراحل، حيث قدم شهادة في حقه، توقفت  على المحطات الأساسية في حياة الرجل النضالية والأكاديمية، ودوره الريادي في وضع اللبنات المؤسسة لميلاد مؤسساتي لمنظمة الاتحاد الوطني، لطلبة المغرب، حيث كان الراضي من أبرز هذه الأسماء إلى جانب الشهيد عمر بنجلون آنذاك.
وأكد الراضي في معرض حديثه على المسار النضالي للراحل،  أن النواة الصلبة التي أطلقت هذا المشروع النضالي لطلبة المغرب، كان وراءها الراحل، وهوالمشروع الذي سيعرف حسب الراضي تحولاته وتصاعداته واختلافاته من محطة الخمسينيات إلى الستينيات والسبعينيات.
كما  توقف الراضي على مرحلة تأسيس الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، مركزا  على مجهودات  وأعمال الرجل في هذا المضمار ثم خصاله وحكمته وتبصره في جعل هذه المنظمة الطلابية فضاء خصبا للانصات والحوار والتكوين.
وعرج الراضي في شهادته هذه على مختلف مؤتمرات الاتحاد الوطني لطلبة المغرب وبالخصوص المؤتمرات الثلاثة الأولى، والتي كانت ترى في الرجل طاقة ضرورية للبناء والتأسيس والتكوين.
ومن جانبه، أدلى النقيب محمد الصديقي بشهادة في حق الراحل، قال فيها  « لن أنسى أبدا شغفك الذي كان يبلغ حد الهُيام باللغة العربية، وحرصك الشديد – وأنت عالم اللسانيات المبرّز- على كشف مكامن قوتها وأصالتها، ودفاعك المستميت عنها في مواجهة خصومها ، وما كان أكثرَهم.!».
وذكر الصديقي بمنجزات الراحل  في إطار التشبث باللغة العربية، كلغة أم للمغاربة، داخل الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، مستشهدا بما كتبه الفقيد في حديث له لجريدة ‘’ النشرة ‘’ في عددها الصادر في شهر أبريل سنة 1994 الذي جاء فيه: ‘’ في أولى مؤتمراتنا، كان هناك مشكل التواصل بيننا. فالطلاب الذين يأتون من الشمال لا يعرفون إلا اللغة الإسبانية، والذين يأتون من فرنسا لا يعرفون إلا اللغة الفرنسية واللهجة الدارجة، والذين يأتون من الشرق العربي لا يعرفون إلا اللغة العربية. وقد ترتب عن ذلك صراعات متعددة، قررنا إثرها أن يكون التخاطب بيننا خلال المؤتمرات باللغة العربية الفصحى، وتدربنا على ذلك وانتصرنا في أمد قصير، بحيث إنه لم تمض إلا سنتان أو ثلاث حتى أصبح كل الأعضاء المنضوين في إطار الاتحاد الوطني لطلبة المغرب يتكلمون ويكتبون باللغة العربية الفصيحة.
وعدد الصديقي  الخصال الرفيعة للراحل  التي كانت تميزه عن الآخرين والتي كانت هي نبراسه المنير في قيادة الحركة الطلابية المغربية في ظروف النشأة وما تلاها من مراحل صعبة في أوائل الستينيات، مع رفيق دربه في التأسيس المرحوم عبد الرحمان القادري. «إنها الميزات التي تتلخص في حصافة الرأي، وبعد النظر، وحنكة التدبير، وصلابة الصمود دون أي غلو أو انفلات وتلك هي خصال الرجال الكبار الذين كنت واحدا منهم».
وختم الصديقي شهادته بتذكير المرحوم السغروشني وهو في دار البقاء  قائلا «إن نسيت فلن أنسى أبدا ذلك اليوم الذي كنّا فيه على وشك إتمام الاستعدادات التنظيمية لانعقاد المؤتمر الوطني السادس للمنظمة في شهر يوليوز 1961، فتوجّهتَ إلي بالخطاب لتبلغني بأنك تعتزم تقديم ترشيحي لرئاسة المنظمة في هذا المؤتمر، لأنك ترى أني مؤهل لتحمل هذه المسؤولية إذا وافقتُ على ذلك.
ومن جانبه، قدم ذ محمد لخصاصي شهادة في حق الرجل، مبرزا فيها أن الراحل   قدم  لأجيال متعاقبة من الشباب والطلاب، ما كان له بالفعل أبلغ الأثر عليهم في التربية والتكوين، وما له أوفر النتائج في صقل الوعي الوطني، وإغناء الرصيد الثقافي عموما واللغوي خصوصا، وذلك في مراحل حرجة كانت فيها النخب الوطنية المناضلة للبلاد –ولاتزال- تتدافع وتتكاثف، في سبيل بناء صرح الأمة على قواعد رصينة، يتساند على أرضيتها ما هو سياسي، ديمقراطي، تحديثي، بما هو تربوي، تكويني، ثقافي.
وسجل لخصاصي أن الذين جايلوا الأستاذ ادريس، أو سعدوا بمعرفته، في مرحلة من مراحل مساره الحافل، الزاخر، إنهم يدركون زخم هذا المسار، بذاً وعطاءً، ويستحضرون تعددية وثراء محطاته، في سياق مسيرة حافلة، نضالا والتزاما وعلما، مؤكدا على أن مسار الراحل قد اتسم  بثلاث محطات بارزة، لافتة، تعدديتها بمكان وإمكانية ومكانة الرجل.
أولا محطة ذات الطابع الوطني، تنصب على دوره في تنظيم وهيكلة الحركة الطلابية المغربية، في إطار منظمتها العتيدة: «الاتحاد الوطني لطلبة المغرب»(1956-1960).
وقد برز الاستاذ ادريس السغروشني، في هاته الظرفية السياسية الوطنية الواعدة، غداة استقلال البلاد، كوطني بارز، ومناضل طلابي متميز.. فقد قاد الرجل الحركة الطلابية، من خلال رئاسته للاتحاد الوطني لطلبة المغرب في ولايتين متعاقبتين (1958-1959)، بكفاءة واقتدار، تركتا بصماته النضالية، القيادية على مستقبل الحركة الطلابية المغربية.
وفي خضم هذه المعركة الوطنية، الطلابية، تميزت مقررات المؤتمرات الوطنية «الاتحاد الوطني لطلبة المغرب» وخاصة مؤتمر تطوان 1958 ومؤتمر أكادير 1959، وهما المؤتمران الوطنيان اللذان انتخب بهما الأستاذ ادريس رئيسا لقيادة المنظمة الطلابية.
المحطة الثانية في مسار أستاذنا الجليل، هي محطة الانخراط الوطني في مسيرة بناء وتكريس الديمقراطية في المغرب المستقل. وكما هو معلوم، فقد شكل الخيار الديمقراطي الهدف الثاني في «الميثاق الوطني» للتحرير. وهو الميثاق الذي وطد أواصر الالتحام بين محمد الخامس تغمده الله بواسع رحمته، وقادة الحركة الوطنية. وهو الميثاق الذي جسدت لحمته ورسمت إطاره «وثيقة المطالبة بالاستقلال».
المحطة الثالثة، تؤشر على بصمات أستاذنا الجليل، على الصعيد التربوي والعلمي الأكاديمي.
وفي هذا الإطار، فقد أهلته متانة تكوينه الجامعي لتعزيز كافة محطاته، وهو التكوين المركزي في حصوله على بكالوريا تخصص فلسفة من أكاديمية «بوردو» 1952، وكذا الإجازة في الفلسفة بكلية الأدب بالرباط 1966، ودبلوم اللغة العربية بمعهد الدراسات العليا بالرباط، ودكتوراه في الصوتيات تحت إشراف الأستاذ الراحل جاك برك، ودكتوراه الدولة في «الصيغ في اللغة العربية» بكلية الآداب بوردو، ناهيك عن ثراء مساره المهني كأستاذ للغة العربية بمراكش 1953، ثم أستاذ بالرباط 1957، وأستاذ ملحق بكلية الرباط 1958، كما شغل الرجل منسقا بمراكز التربية الجهوية 1957، وكأستاذ مساعد بكلية الآداب 1978، وعضو في لجن متعددة لمناقشة أطاريح لنيل شهادة الدكتوراه، إضافة إلى مهام علمية أخرى لا يتسع الفضاء لتعدادها، لكن ما ينبغي الإشارة إليه أن متانة تكوين الرجل الأكاديمي وثراء تمرسه المهني قد أهلاه ليكون أحد جهابذة الفكر واللغة.
وتناول الكلمة في هذا الحفل التأبيني عمر السغروشني نجل الفقيد باسم العائلة، فشكر لكل المتدخلين من زملاء ورفاق للراحل ومعهد الدراسات والأبحاث للتعريب هذه المبادرة في تنظيم هذا الحفل التأبيني للراحل إدريس السغروشني ، كما ذكر أن أكاديمية المملكة المغربية، ستنشر كتابا قيما حول أبحاث ودراسات الفقيد، ثم هناك كتاب سيصدره المجلس الوطني لحقوق الإنسان، سيتضمن شهادات في مسار الفقيد، كما أن هذه الندوة وجميع الشهادات والكلمات التي قدمت فيها،  سيتم تجميعها في كتيب لتوثيقها.
وكان رئيس جامعة محمد الخامس ورئيس شعبة اللغة العربية بكلية الآداب، ثم عبد الرزاق الترابي باسم الطلبة الذين أشرف الراحل على بحوثهم، قد قدموا شهادات وكلمات في حق الراحل، تطرقت لمسار الراحل الأكاديمي والعلمي ونضاله في جعل اللغة العربية في مكانة تستحقها بالإضافة إلى نظريته «انشطار الفتحة» التي تعدى صيتها  الوطن العربي إلى ما هو دولي، حيث تم الاهتمام بها بشكل مثير من قبل المختصين والباحثين الدوليين.